بالموجود. وقال المأمون: الجود بذل الموجود والبخل سوء الظن بالمعبود. قيل وشكا رجل إلى إياس بن معاوية كثرة ما يهب ويصل الناس وينفق. قال: إن النفقة داعية الرزق وكان جالساً على باب فقال للرجل: أغلق هذا الباب فأغلقه. فقال: هل تدخل فيه الريح؟ قال: لا. قال: فافتحه، ففتحه فجعلت الريح تخترق في البيت، فقال: هكذا الرزق أغلقت فلم تدخل الريح فكذلك إذا أمسكت لم يأتك الرزق.

قيل: ووصل المأمون محمد بن عباد المهلبي بمائة ألف دينار ففرقها على إخوانه فبلغ ذلك المأمون. فقال: يا أبا عبد الله إن بيوت الأموال لا تقوم بهذا. فقال: يا أمير المؤمنين البخل بالموجود سوء الظن بالمعبود. وعن أمية بن يزيد الأموي قال: كنا عند عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية فجاءه رجل من أهل بيته فسأله المعونة على تزويج، فقال له قولاً ضعيفاً فيه رعد وقلة أطماع.

فلما قام من عنده ومضى دعا صاحب خزانته فقال: أعطه أربعمائة دينار فاستكثرناها وقلنا: كنت رددت عليه رداً ظننا إنك تعطيه شيئاً قليلاً فإذا أنت أعطيته أكثر مما آمل، فقال: إني أحب أن يكون فعلي أحسن من قولي.

وبحاتم يضرب المثل والسخاء، فحدثنا عن بعض حالات حاتم. قيل: كان حاتم جواداً شاعراً وكان حيثما نزل عرف منزله وكان ظفراً إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب وإذا شرب بالقداح سبق وإذا أسر أطلق، وكان أقسم أن لا يقتل واحداً، قيل: ولما بلغ حاتماً قول المتلمس الضبعي:

قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد

وحفظ المال أيسر من بقاء ... وضرب في البلاد بغير زاد

فقال: ما له قطع الله لسانه، يحرض الناس على البخل أفلا قال:

فلا الجود يفني المال قبل فنائه ... ولا البخل في مال الشحيح يزيد

فلا تلتمس رزقا بعيش مقتر ... لكل غد رزق يعود جديد

ألم تر أن الرزق غاد ورائح ... وأن الذي أعطاك سوف يعيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015