من مختلف نواحيها، وتقلبها على مختلف وجوهها، ثم ينتهي الجاحظ إلى رأي جازم: ان الكلام خير من الصمت، وعلم الكلام علم شريف يهدف إلى معرفة الحقيقة.
وإذا كان صاحب الكتاب لا يعلن رأيه ولا غايته، فإننا نستطيع أن نتبين من خلال النص بعض ميوله واتجاهاته التي يختلف فيها مع الجاحظ. فهو ينادي بالحجاب ويحشد أقوالا كثيرة تدعو إليه وتزينه وتحذر من السفور، وعلى عكس سائر الأبواب لم يذكر مساوىء الحجاب كما ذكر محاسنه. ويستشهد بحديث نبوي يقول: «باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء فإن كانت المعاينة واللقاء كان الداء الذي لا دواء له» وبآخر يقول: «الناسء حبائل الشيطان» ؛ ليقرر أن المرأة تغوي الرجل وأن لقاء الرجل للمرأة ورؤيته إياها يدفعه إلى الزنى ولذا ينبغي الفصل بينهما. كما يستشهد بقول لعمر بن الخطاب يدعو إلى حرمان المرأة من الظهور والتزين والتبرج: «استعينوا عليهن بالعري» ويقول لأمرأة زنت هي هند بنت الخس تعترف فيه أن سبب اقترافها الفحش إنما هو «طول السهاد وقرب الوساد» . ويخبر أن أكاسرة الفرس كانوا يمتحنون امناءهم برؤية النساء، فمن صبر عليهن ولم يقع بحبائلهن ولم يغوه جمالهن، وثق به وإلّا تخلص منه أو أبعده. أما الجاحظ فقد عالج هذا الموضوع في رسالة مستقلة هي رسالة «القيان» . وهو يحمل على حجاب المرأة ويدعو إلى السفور ويقدم البراهين المنطقية والأجتماعية والدينية التي تسند موقفه. فهو يخبرنا أن العرب لم يعرفوا الحجاب في الجاهلية، وكان الرجال والنساء يجتمعون على الحديث والمسامرة. وفي الإسلام أجاز الدين للنساء الطواف بالكعبة مكشفات الوجوه. ولم يحرم عمر بن الخطاب السفور رغم زهده وورعه وفقهه وعلمه. وكذلك الحسن بن علي لم يحرم النظر إلى النساء، حتى الشعبي فقيه أهل العراق لم ير في النظر إلى عائشة بنت طلحة امرأة مصعب بن الزبير حراما الخ.. ثم يقول إن كل ما في العالم مسخر