وضدها، ومحاسن المكاتبات وضدها، ومحاسن الجوابات وضدها، ومحاسن حفظ اللسان وضدها، ومحاسن كتمان السر وضدها، ومحاسن الصدق وضدها، ومحاسن الصحة وضدها، ومحاسن السخاء وضدها ومحاسن البخل وضدها، ومحاسن الشجاعة وضدها، ومحاسن المفاخرة وضدها، ومحاسن الزهد وضدها، ومحاسن النساء وضدها الخ ...
بيد أن الفرق شاسع بين جدل الجاحظ وجدل مؤلف المحاسن والأضداد. أن جدل المحاسن والأضداد يقتصر على تعداد محاسن الأمر ومساوئه دون إبداء الرأي ودون المناقشة أما جدل الجاحظ فيتعدى هذه المهمة أي تعداد المحاسن والمساوىء إلى إصدار الأحكام والبحث عن الحقيقة، والبت في الأمور المتنازع في شأنها. لنأخذ مثلا على ذلك مسألة البخل. لقد أورد صاحب المحاسن والأضداد اقوالا وأخبارا تبين حسنات البخل، وأخرى تظهر مساوئه واستغرق ذلك بعض الصفحات. أما الجاحظ فقد ألف كتابا ضخما في هذا الموضوع اسماه «البخلاء» وقسمه ثلاثة أقسام: قسم أول يورد فيه احتجاجات البخلاء، وقسم ثان يورد فيه احتجاجات الأسخياء، وقسم ثالث يحكم فيه بالأمر، ويعلن رأيه الخاص، وهو أن الفضيلة هي في منزلة بين البخل والأسراف، يدعوها الأقتصاد الذي يتوسط رذيلة البخل ورذيلة الأسراف. وهو في ذلك ينطلق من مبدأ فلسفي انماز به مع سائر المعتزلة والذي عرف بالمنزلة بين المنزلتين.
ولنأخذ مثلا آخر بين لنا الفرق بين جدل الجاحظ وجدل صاحب المحاسن والأضداد، وهو مسألة الصمت والكلام. في الكتاب الذي بين أيدينا صفحتان تثبتان أقوالا تزين الصمت وآخرى تزين المنطق. أما في البيان والتبين، ورسالة التربيع والتدوير، ورسالة صناعة الكلام الخ. فنلفي عشرات الصفحات التي تدور حول هذه المسألة، وتصورها