لحناً، وأمر مسروراً بإخراجها من وراء الستارة؛ ثم لم يزل إسحاق يردد هذه الأبيات حتى احكمتها شمائل، وغنت، فكأن سقط الدر يتناثر من فيها؛ وأمر لإسحق بمال، وللجارية بخمس وصائف، وخمسة آلاف دينار.
قال المبرد: أهدى اليزيدي «1» إلى الرشيد، يوم فصد، جام بلور، وشمامات غالية، وكتب إليه: يا أمير المؤمنين؛ تفاءلت في الشرب في الحمام بجمام النفس، ودوام الأنس، والغالية للغلو في السرور، ولا زدياد من الخير والحبور، وقلت:
دم الفصد من يدك العاليه ... يداعي لجسمك بالعافية
كسا الدهر ثوباً من الأرجوان ... بديع الطرازين والحاشية
وعصفر صفحة وجه الرّبيع، ... بصبع من أسراره الجارية
فكم روضةٍ نشرت وشيها، ... وزهرة روضٍ غدت زاهيه
إمامٌ أسال دم المكرمات ... فشجج أقتالها الحاميه
فلا زال في عيشةٍ راضيه ... ودامت له النعمة الكافيه
قال اليزيدي: افتصد المأمون، فأهدت إليه: «رباح» أترجة عنبر عليه مكتوب بماء الذهب:
تعالج من هويت بفصد عرقٍ ... فأضحى السقم في خلع الخضوع
وجاءت تحفة الأحباب تسعى ... بوردٍ فائضٍ فيض الدموع!
فقال المأمون لليزيدي: «ويحك، ما تقول فيمن كتب هذين البيتين» ؟ قال: «يكافأ بالدنيا وما استدق منها» ، فأمر لها بمال كثير، ووصلني ببعضه.