وقادتني، وقد كنت عند خروجي من مضربي ضربت يدي بالخلوق، وأسدلت عليها ردائي؛ فلما صرت إلى باب مضربها، أخرجت يدي، ووضعتها على جانب المضرب وضعاً بيناً، فلما أصبحت، صحت بغلماني وعبيدي، ولي ألف عبد: «من أتاني بخبر المضرب الذي ضرب فيه بكذا وكذا، فهو حر لوجه الله» . فلما كان في وقت المساء، أتتني وليدة سوداء، فقالت: «قد عرفت المضرب، وهو لرملة أخت عبد الملك بن مروان» .
فأعتقتها، وأمرت لها بمائتي دينار، وأمرت بمضربي، فقلع، وضرب بحذاء مضربها، وكتب بالخبر إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إليها بالرحيل؛ فركبت هودجها، وركبت فرسي، فزاحمتها في بعض الطريق، فأشرفت علي من هودجها، فقالت: «إليك عني، أيها الرجل» ! قلت: «خاتم أو قميص أذكرك به» . فقالت لبعض جواريها: «ألقي إليه قميصاً من قمصي» .
فأخذته وأنا أقول:
فلا وأبيك ما صوت الغواني ... ولا شرب التي هي كالفصوص
أردت برحلتي وأريد خطاً ... ولا أكل الدجاج، ولا الخبيص
قميصٌ ما يفارقني حياتي ... أنيسٌ في المقام وفي الشخوص
وجعلت أنزل بنزولها، وأركب بركوبها، حتى كنا من الشام على ثلاث مراحل؛ فاستقبلها عبد الملك في خاصته، فدخل إليها ثم قال: «يا رملة، ألم أنهك أن تطوفي بالبيت إلا ليلاً، يحفك الجواري، ويحف الجواري الخدم، ويحف الخدم الوكلاء لئلا يراك عمر بن أبي ربيعة» ؟
قالت: «والله، وحياة أمير المؤمنين ما رآني ساعة قط» ، فخرج من عندها، فبصر بمضربي، فقال: «لمن المضرب» ؟ قيل: «لعمر بن أبي ربيعة» .
قال: «علي به» . فأتيته بلا رداء، ولا حذاء، فدخلت عليه وسلمت عليه؛ قال: «يا عمر، ما حملك على الخروج من الحجاز من غير إذني» ؟ قلت:
«شوقاً إليك، يا أمير المؤمنين، وصبابة إلى رؤيتك» . فأطرق ملياً، ينكت في الأرض بيده، ثم رفع رأسه فقال: «يا عمر، هل لك في واحدة» ؟
قلت: «وما هي، يا أمير المؤمنين» ؟ قال: «رملة أزوجكها» ، قلت: «يا