ابن عشرين ومائة سنة، فقال: إياي فاسألوا عنه. كان من أظرف الناس، خفيف العارضين، آدم حلو المضحك، إذا أنشد اختصر، وأتاني يوماً فقال: «إن مية منقرية، وإن بني منقر أخبث حي، وأعلمه بأثر، فهل عندك من ناقة نزورها عليها» ؟ فقلت: «إي والله، عندي اثنتان» ، قال: فسرنا، فخرجنا حتى أشرفنا على الحي وهم خلوف، فعرف النساء ذا الرمة، فعدلن بنا إلى بيت مي، وأنخنا عندها، فقلن لذي الرمة: «أنشدنا يا أبا الحارث» ، فقال: «أنشدهن» ، فأنشدتهن قوله:
نظرت إلى أظعان مي كأنها ... ذرى النخل أو أثلٌ تميد ذوائبه
فأشعلت النيران والصدر كاتمٌ ... بمغرورقٍ تمت عليه سواكبه
بكى وامقٌ جاء الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره؟ ومعاتبه
فقالت ظريفة منهن: «ابكي اليوم» ، فمررت فيها حتى انتهيت إلى قوله:
إذا سرحت من حب مي سوارحٌ ... على القلب، آبته جميعاً عوازبه
فقالت الظريفة: «قتلته، قتلك الله» ! فقالت: «ما أصحه، وهنيئاً له» . فتنفس ذو الرمة تنفساً كادت حرارته تساقط لحمي، ثم مررت فيها حتى انتهيت إلى قوله:
وقد حلفت بالله مية، ما الذي ... أقول لها إلا الذي أنا كاذبه
إذاً، فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدوٌ أحاربه
فالتفتت مي إلى ذي الرمة، فقالت: «ويحك! خف عواقب الله» ، ثم أنشدت إلى أن انتهيت إلى قوله:
إذا نازعتك القول مية، أو بدا ... لك الوجه منها، أونضا الدرع سالبه
فيا لك من خد أسيلٍ ومنطقٍ ... رخيمٍ، ومن خلقٍ يعلل جاذبه
فقالت تلك الظريفة: «أما القول، فقد نازعتك، والوجه فقد بدا لك. فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فقالت لها مي: «قاتلك الله! ما أنكر