قال: آخر ما لقيتها بالطلحة، مع أتراب لها.
قال: فأتاهم جميل، وهو ينشد ذوداً له، ففطنت عزة، فقالت: تحت الطلحة التمس ذوداً هناك. فانصرف جميل، فأخبر كثيراً؛ فلما كان في بعض الليل، أتيا الطلحة، وأقبلت عزة وصاحبة لها، فتحدثا ملياً، وجعل كثير يرى عزة تنظر إلى جميل، وكان جميلاً، وكثير دميماً، فغضب كثير، وغار عليها، وقال لجميل: انطلق بنا قبل أن يصبح علينا الصبح فانطلق، فعند ذلك يقول:
رأيت ابنة الشبلي عزة أصبحت كمحتطب ما يلق بالليل يحطب «1»
وكانت تمنينا، وتزعم أننا ... كبيض الأنوق في الصّفا المتغيّب
ثم قال كثير لجميل: متى عهدك ببثينة؟ قال: في أول الصف بوادي الدم، ومعها جواريها يغسلن ثياباً. فخرج كثير حتى أناخ بهم، وهو يقول:
وقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... على بعد دارٍ، والرسول موكل
بأن تجعلي بيني وبينك موعداً ... وأن تأمريني بالذي فيه أفعل
أما تذكرين العهد يوم لقيتكم ... بأسفل وادي الدم، والثّوب يغسل
فعلمت بثينة ما أراد، فصاحت: اخسأ، اخسأ، فقال عمها: ما دهاك، يا بثينة؟ قالت: إن كلباً يأتينا من وراء هذا التل، فيأكل ما يجد، ثم يرجع.
فرجع كثير، وقال لجميل: قد وعدتك التل، فدونك. فخرج جميل وكثير حتى انتهيا إلى الدومات، وقد جاءت بثينة، فلم تزل معه حتى برق الصبح، وكان كثير يقول: «ما رأيت مجلساً قط أحسن منه» .
قال عمر بن شبة عن إسحق بن إبراهيم الموصلي: حدثني شيخ من خزاعة، قال: ذكرنا ذا الرمة، وعندنا عصمة بن مالك الفزاري، وهو يومئذ