فخرجت، يا أمير المؤمنين، وأنا أجر ذيلي حتى وردت عليها؛ فاستأذنت ودخلت، فبدأت بي، فقالت: «ما وراء الشيخ» ؟ قلت:
«البؤس واليأس» . قالت: «لا عليك. فأين الله والقدر» ؟ ثم أمرت لي بخمسمائة دينار، وعشرة أثواب، وخرجت من عندها وأنا ممتدح لآل سليمان. فلم يكن لي، والله، إلا معرفة خبرها في العام الذي عدت فيه إلى البصرة، فوردت عليها، فوجدت على بابها أمراً، ونهياً، وأسباباً لا تكون إلا على باب الخلفاء.
فاستأذنت، فدخلت، فإذا فوق رأسها ثلاثون رجلاً من شيوخ وشبان وخدم، وقوف بسيوفهم، فلما نظرت إلي، عرفتني، ووثبت إلي، وقبلت رأسي، وقالت: «يا شيخ! الحمد لله الذي جعل العبيد بالصبر ملوكاً، وجعل الملوك بالتيه عبيداً، إن الذين تراهم وقوفاً، أصحاب «ضمرة» ، يسلون سخيمتي، ويسألونني الرجوع له، والله، لا نظرت إليه في وجه، ولو أنه في حسن يوسف وكمال حواء» . فسجدت، يا أمير المؤمينين شماتة بضمرة، وتقرباً إلى الجارية. فقال بعض حجاب ضمرة: مهلاً يا شيخ، فمن طاب محضره، طاب مولده» . ثم انصرفوا.
فناولتني خريطة «1» فيها أوراق، فقالت: «هذا أول ما ورد علينا منه، فإذا ثوب خزّ أبيض يقق، مكتوب فيه بماء الذهب: «بسم الله الرحمن الرحيم. لولا تغاضي عليك، أدام الله حياتك، لو صفت شطراً من غدرك، ولبسطت سوط عتبي عليك، وحكمت سيف ظلامتي فيك، إذ كنت الجانية على نفسك، والمظهرة لسوء العهد وقلة الوفاء، المؤثرة علينا غيرنا، فخالفت هواي، وفرشت نفسك لها، على حالتي جد وهزل، وصحو وسكر، والمستعان الله على ما كان من سوء اختيارك. وقد ضمنت رقعتي هذه، أبيات شعر، أنت المتفضلة بالنظر إليها، وهي:
قطع قلبي فراقكم قطعا ... وكدت أقضي بينكم جزعا