الأعلى، وهو أشهر من أن يخفى» . ثم صاحت في الدار: «يا جواري، دواةً وقرطاساً» ! وشمرت عن ساعدين كأنهما طومارا فضة، ثم حملت القلم وكتبت:

«بسم الله الرحمن الرحيم، سيدي: تركي الدعاء في صدر رقعتي، ينبيء عن تقصيري، ودعائي، إن دعوت، يكون هجنة. فلولا أن بلوغ المجهود يخرج عن حد التقصير، لما كان لما تكلفته خادمتك من كتب هذه الرقعة معنى، مع إياسها منك، وعلمها بتركك الجواب.

سيدي، فجد بنظرة، وقت اجتيازك في الشارع إلى الدهليز، تحي بها أنفساً ميتةً أسرى؛ واخطط بخط يدك، بسطها الله بكل فضيلة، رقعة فأجعلها عوضاً من تلك الخلوات التي كانت بيننا في الليالي الخاليات التي أنا ذاكرتها.

سيدي، ألست لك محبة، وبك مدنفة؟ فإن رجعت، مولاي، إلى الأشبه بك، وأنقذتني من عوارض التلف، كنت لك خادمة، ولك شاكرة» .

فلما فرغت من الكتاب، يا أمير المؤمنين، ناولتني إياه، فقلت لها:

«يا سيدتي، قد وجب حقك علي، ولزمتك حرمتي لطول وقوفي عليك.

وكنت قد سألت شربة ماء» . قالت: «استغفر الله، ما فهمنا عنك» . ثم صاحت في الدار: «أخرجن إلينا شراباً من ماء وغير ماء» . فما كان إلا أن أقبل ثلاثون وصيفة، بأيديهن الطاسات والجامات والأقداح، مملؤة ماء وثلجاً وفقاعاً وشراباً، فشربت الماء ثم قلت: «يا سيدتي، مع قدرتك على هذا من استواء الحال، وكثرة الخدم والعبيد والجواري، فلم لا تأمرين إحدى الجواري أن تقف مراعية للغلام، حتى إذا مر أعلمتك، فتخرجين إليه» ؟ قالت: «لا تغلط يا شيخ» ، فتمثلت:

عبالة عنق الليث من أجل أنه ... إذا رام أمراً قام فيه بنفسه

ثم انصرفت عنها، يا أمير المؤمنين؛ فلما أصبحت غدوت على محمد بن سليمان فوجدت مجلسه محتفلاً بالملوك وأبناء الملوك، ورأيت غلاماً قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015