فلما نزلنا أراني طريقاً عن يسار الطريق، فقال: «ترى ذلك الطريق» ؟

فقلت: «أراه» ، قال: «فترى الخيم التي هناك» ؟ قلت: «نعم» ! قال:

«فإنها في الخيمة الحمراء» ، فأدركتني أريحية الحدث، فقلت: «والله إني آتيها برسالتك» ، فمضيت حتى انتهيت إلى الخيم، فإذا امرأة ظريفة جميلة كأنها مهرة عربية، فذكرته لها، فزفرت زفرة كادت تنتقض أضلاعها، وقالت: «أو حي هو» ! قلت: «نعم، تركته في رحلي وراء هذا الطريق» ! قالت: «بأبي أنت وأمي، أرى لك وجهاً حسناً يدل على الخير، فهل لك في أمر» ؟ قلت: «فقير إليه» ! قالت: «البس ثيابي، فأقم مكاني، ودعني حتى آتيه وذلك عند مغيربان الشمس، فإنك إذا أظلم الليل أتاك زوجي» ، فقال لك: «يا فاجرة، ويا هنة ابنة الهنة» ، فيوسعك شتماً فأوسعه صمتاً. ثم يقول في آخر كلامه: «اقمعي سقاءك، يا عدوة الله، فضع القمع في هذا السقاء، وإياك وهذا السقاء الآخر فإنه واه» ! قلت:

«نعم» ، فأجبتها إلى ما سألت، فجاء الزوج على ما وصفت، وقال:

«اقمعي سقاءك» فحيرني الله إن تركت الصحيح، وقمعت الواهي، فما شعر إلا باللبن يتسبب بين رجليه، فعدا إلى كسر الخيمة، وحل متاعه، وتناول رشاء من قد مدبوغ ثم ثناه باثنتين، فجعل لا يتقي رأساً ولا وجهاً ولا رجلاً، حتى خشيت أن يبدو له وجهي، فتكون الأخرى، فألزمت وجهي الأرض، فعمل بظهري ما ترى، فلما تغيب عني، جاءت المرأة باكية، فرأت ما بي من الشر، واعتذرت وأخذت ثيابي وانصرفت» .

قال وحدث بهذا الحديث محمد بن صالح بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه «بسر من رأى» ، سنة أربعين ومائتين، وكان حمل من البادية إلى المتوكل فأطلقه، وكان إعرابياً فصيحاً، فعجب منه، وكان حسن الوجه نجيباً، قلما رأيت في الفتيان مثله، قال: كان منا فتى يقال له الأشتر بن عبد الله، وكان سيد بني هلال، وأحسنهم وجهاً، وأسخاهم كفاً، وكان معجباً بجارية يقال لها «جيداء» ، بارعة الجمال، فلما اشتهر أمرهما، وظهر خبرهما، وقع الشر بين أهل بيتيهما، حتى قتل بينهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015