القتلى، فافترقوا فريقين، فلما طال على الأشتر البلاء، جاءني يوما وقال:
«هل فيك خير» ؟ قلت: «عندي ما أحببت» ، قال: «تساعدني على زيارة جيداء» قلت: «بالحب والكرامة» ، فانهض إذا شئت» .
قال: فركبنا وسرنا يوماً وليلة والغداة حتى المساء، فنظرنا إلى أدني سرب لهم، فأنخنا رواحلنا في شعب وقعدنا هنا، وقال: «يا نمير، اذهب وأنشد واذكر لمن يلقاك إنك طالب ضالة، ولا تعرض بذكرى بشفة ولا لسان، إلى أن تلقى جاريتها فلانة، راعية الضأن، فتقرئها مني السلام، وتسألها عن الخبر، وتعلمها بمكاني» .
قال: فخرجت لا أتعدى ما أمرني به، حتى لقيت الجارية، فأبلغتها الرسالة، وأعلمتها بمكانة وسألتها عن الخبر، فقالت: «هي مشدد عليها، محتفظ بها، وعلى ذلك فموعد كما عند الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت، مع صلاة العشاء» ، فانصرفت فأخبرته، ثم قدنا رواحلنا حتى أتينا الموعد في الوقت الذي وعدتنا فيه، فلم نلبث إلا قليلاً حتى إذا جيداء تمشي، فدنت منا، فوثب إليها الأشتر، فتصافحا وسلم عليها، ووثبت مولياً عنهما فقالا: «أقسمنا عليك إلا رجعت، فو الله ما بيننا من ريبة ولا قبيح نخلو به دونك» ، فانصرفت إليهما، وجلست معهما، فقال الأشتر: «ما فيك حيلة يا جيداء فنتزود منك الليلة» ؟ قالت: «لا، والله، ما إلى ذلك سبيل إلا أن أرجع إلى الذي تعلم من البلاء والشر» ! فقال: «لا بد من ذلك ولو وقعت السماء على الأرض» ، قالت: «فهل بصاحبك خير» ؟ قلت:
«بلى، وهل الخير إلا عندي؟ فاسألي ما بدا لك، فإني منته إليه، ولو كان في ذلك كله ذهاب نفسي» ، فألبستني ثيابها، وأخذت ثيابي ثم قالت:
«اذهب إلى خبائي فادخل في ستري، فإن زوجي يأتيك مع العتمة، فيطلب منك القدح ليحلب فيه، فلا تأخذه منه حتى يطيل عليك نكدك، ثم خذه أو ذره حتى يضعه ثم يستبد بردائه، ولست تراه حتى يصبح» ، فذهبت ففعلت ما أمرتني به حتى جاء بالقدح فيه اللبن فأطلت نكدي عليه، ثم أهويت لآخذه فاختلفت يدي ويده، وانكفأ القدح، فانفق منه اللبن، فقال: «إن هذا