قال الحسن الجرجاني: حدثني سهم بن عبد الحميد الحنفي قال:
خرجت من الكوفة أريد بغداد، فلما نزلت، بسط غلماننا وهيأوا غداءنا، فإذا نحن برجل حسن الوجه والهيئة، على برذون فاره، فصحت بالغلمان فأخذوا دابته، فدعوت بالغداء، فبسط يده غير محتشم، وما أكرمته بشيء إلا قبله، وكنا كذلك إذ جاء غلمانه بثقل كثير، وهيئة جميلة، فتناسبنا فإذا هو طريح بن إسماعيل الثقفي، فارتحلنا في قافلة منا لا يدرك طرفاها، فقال طريح:
«ما حاجتنا إلى هذا الزحام، وليست بنا إليهم وحشة، ولا علينا خوف، فإذا خلونا بالخانات والطرق كان أروح لأبداننا» ، قلت: «ذلك إليك» ، فنزلنا من الغد الخان، وتغدينا وإلى جانبنا نهر ظليل بالشجر، فقال: «هل لك أن تستنقع فيه» ؟ فمررنا إليه، فلما نزع ثيابه إذا بين جنبيه آثار ضرب كثير، فوقع في نفسي منه شر، فنظر إلي ففطن وتبسم، وقال: «قد رأينا ذعرك بما ترى، وحديث ذلك يجري إذا سرنا بالعشية» فلما سرنا قلت له:
«الحديث» قال: «نعم، قدمت من عند الوليد بن يزيد بالغناء واليسار، وكتب إلى يوسف بن عمر، فلما أتيته ملأ يدي خيراً، فخرجت مبادرا إلى الطائف، فلما امتد بي الطريق وليس يصحبني فيه أحد، عن لي إعرابي على قعود له، فحدث أحسن الحديث، وروى الشعر، فإذا هو راوية، فأنشد فإذا هو شاعر، فقلت: «من أين أقبلت» ؟ قال: «لا أدري» ، قلت: «وما القصة» ؟ قال: «أنا عاشق لامرأة قد أفسدت علي عيشي، وقد حذرني أهلها، وجفاني لها أهلي، وإنما أستريح بأن أنحدر إلى الطريق مع منحدر، وأصعد مع مصعد» ، قلت: «فأين هي» ؟ قال: «تنزل غداً بازائها» ،