به يا أمير المؤمنين» ، فنكس رأسه ساعة، ينكث في الأرض، ثم رفع رأسه، وأخذ العود من حجر هذه فوضعه في حجر الأخرى، ثم قال لها:
«غني» ، فغنت:
إن يمس حبلك بعد طول تواصلٍ ... خلقاً، وأصبح بيتكم مهجوراً
فلقد أراني والجديد إلى بلىً ... زمنا بوصلك راضياً مسروراً
كنت الهوى وأعز من وطيء الحصى ... عندي وكنت بذاك منك جديراً
فقال: «يا إسحق لمن الشعر والغناء فيه» ؟ قال: «لا علم لي يا سيدي» ، فرد المسألة على الجارية، فقالت: «لستي» ، قال: «ومن ستك» ؟ قالت: «علية، أخت أمير المؤمنين» ، فنكس رأسه ساعة، ثم وثب وقال لمسرور خادمه: «امض بنا إلى منزل علية» ، فلما وقف بالباب، قال: «استأذن يا مسرور» ، فخرجت جارية، فلما رأت الخليفة، رجعت تبادر تعلم ستها، فخرجت تستقبله وتفديه فقال: «يا علية هل عندك ما نأكل» ؟ قالت: «نعم يا سيدي» ، قال: «وما نشرب» ؟ قالت:
«نعم» ، فدخل وجلس، فقدمت إليه الطعام، فأكل حاراً، وبارداً، ورطباً، ويابساً، ثم رفع الطعام، ووضع الشراب والطيب وأنواع الرياحين، ودعت جواريها وكان عندها ثلاثون جارية يغنين، فألبستهن أنواع الثياب، وصفتهن في الإيوان، وتناول الرشيد الشراب، فأمر الجواري أن يغنين، ثم سقى أخته حتى أخذ الشراب منها، واحمرت وجنتاها، وفترت أجفانها، وكانت من أجمل النساء. فضرب الرشيد إلى حجر بعض الجواري في أخذ العود وقال: يا علية بحياتي غني:
بني الحب على الجور فلو
فعلمت إنها داهية، فبكت، فصاح الرشيد، فخرج الجواري وبقي هو وهي، فدفعها وأخذ وسادة فجعلها على وجهها، وجلس عليها فاضطربت اضطرابا شديداً، ثم بردت فنحى الوسادة عنها، وقد قضت نحبها، فخرج وقال للخادم: «إذا كان غداً فادخل وعزني» ، وركب متوجهاً إلى قصره، فلما كان الغد، عزاه مسرور فبكى، فقال: