فلما سمعت جديس شعرها، أنفت أنفاً شديداً، وأخذتهم الحمية، فتآمروا بينهم وعزموا على اغتيال الملك، وجنوده فقالوا: «إن نحن بادهناهم بالحرب لم نقو عليهم لكثرة جندهم وأنصارهم» ، فاتفقوا على ذلك، ثم إن الأسود أتى الملك فقال: «إني أحب أن تجعل غداءك عندي أنت وجنودك» ، فقال عمليق: «إن عدد القوم كثير، وأحسب أن البيوت لا تسعهم» ، فقال الأسود: «فنخرج لهم الطعام إلى بطن الوادي» ، فقال لقومه: «إذا اشتغل القوم بالأكل فسلوا سيوفكم، واعملوا على أن تحملو حملة رجل واحد واقتلوهم عن آخرهم» ، وهيأ الأسود ما احتاج إليه من الطعام، وجاء الملك، فلما أكب القوم على الأكل، بادرت جديس إلى سيوفهم، ثم حملت على الملك وعلى جنوده والأسود يرتجز ويقول:

يا صبحةً يا صبحة العروس ... حتى تمشت بدمٍ جميس

يا طسم ما لقيت من جديس ... هلكت يا طسم فهيسي هيسي

فقتلوه وجنوده جميعاً.

ومثله الفطيون «1» ملك تهامة والحجاز، فإنه سلك مسلك عمليق في ملك طسم وجديس في أمر الناس، فأمر أن لا تزف من اليهود في مملكته امرأة إلّا بدأوه بها، فلبث على ذلك عدة أحوال حتى زوجت امرأة من اليهود من ابن عم لها، وكانت ذات جمال رائع، وكانت أخت مالك بن عجلان من الرضاعة، فلما أراد أن يهدوها إلى زوجها، خرجت إلى نادي الأوس والخزرج، رافعة ثوبها إلى سرتها، فقام إليها مالك بن العجلان فقال:

«ويحك وما دهاك» ؟ فقالت: «وما يكون من الداهية أعظم من أن ينطلق بي إلى غير بعلي بعد ساعة» ؟ فأنف من ذلك أنفاً شديداً، فدعا ببزة امرأة فلبسها، فلما انطلقوا بالمرأة إلى الفطيون صار كواحدة من نسائها اللواتي ينطلقن بها متشبها بامرأة، وقد أعد سكيناً في خفه، فلما دخلت المرأة على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015