ونظر إلى صورة أنوشروان فيه، وإلى صورة الرجل وتركيبه عضوا عضوا، وجارحة وجارحة، فقال للرجل: «أخبرني هل يصور مع صورة الملك رجل خسيس» ؟ قال: «لا» ، قال: «فهل في دار الملك اثنان يتشابهان في صورة واحدة حتى يكون هذا كأنه ذاك في الصورة وكلاهما نديماً الملك» ؟ قال: «لا أعرفه» ، قال له: «قم قائماً» ، فقام، فوجد صورته في الجام، فقال له: «أدبر» ، فأدبر، فتأمل صورته في الجام فوجدهما بحكاية واحدة، فضحك، ولم يجسر الرجل أن يسأله عن سبب ضحكه، إجلالاً له وإعظاماً، فقال ملك الروم: «الشاة أعقل من الإنسان إذ كانت تخفي مديتها وتدفنها، وإنما أهديت إلينا مديتك بيدك» . فقال للرجل:
«تعديت» ؟ قال: «لا» ، قال: «قربوا له طعاماً» ، قال: «أيها الملك أنا عبد، والعبد لا يأكل بحضرة الملك» ، قال الملك: «أنت عبد ما دمت عند ملك الروم، مطلعاً على أموره، متتبعاً لأسراره، وملك إذا قدمت بلاد فارس، ونديم ملكها. أطعموه» ، فأطعم وسقى الخمر حتى إذا ثمل، قال: «من سير ملوكنا أن لا نقتل الجاسوس إلا في أعلى موضع نقدر عليه، ولا نقتله جائعاً، ولا عطشاناً.
فأمر به، فأصعد إلى سطح كان يشرف منه على كل من كان في المدينة إذا صعد، فضربت عنقه هناك، وألقيت جثته من ذلك السطح، ونصب رأسه للناس؛ فلما بلغ ذلك كسرى، أمر صاحب الجرس أن يضرب بأجراس الذهب، ويمر على دور نساء الملك وجواريه، ويقول: «كل نفس ذائقة الموت، كل أحد إذا وجب عليه القتل ففي الأرض يقتل، إلا من تعرض لحرمة الملك، فإنه يقتل في السماء» ، فلم يدر أحد من أهل المملكة ما أراد به حتى مات.
ومثله من أخبار العرب: ذكروا أنه كان لطسم وجديس ملك يقال له «عمليق» «1» ظلوم غشوم، وكانت لا تزف جارية إلى زوجها إلّا بدأوه بها،