أسكن إلى سكوني إليك، إذ حللت من قلبي المحل الذي أنت به، وقد رأيت أن تحمل لي مالاً إلى هناك للتجارة، وتدخل بلاد الروم فتقيم بها، فإذا بعت ما معك، حملت مما في بلادهم من تجاراتهم، وأقبلت إلي، وفي خلال ذلك تصغي إلى أخبارهم، وتطلع إلي ما بنا الحاجة إلى معرفته من أمورهم وأسرارهم» . فقال: «أفعل أيها الملك، وأرجو أن أبلغ في ذلك محبة الملك ورضاه» .
فأمر له بمال، وتجهز الرجل وخرج بتجارته، فأقام في بلاد الروم حتى باع واشترى، وفهم من كلامهم ولغاتهم ما عرف به مخاطباتهم، وبعض أسرار ملكهم.
وانصرف إلى أنوشروان بذلك، فأراه الإيثار به، وزاد في بره، ورده إلى بلادهم، وأمره بالمقام والتربص بتجارته، ففعل حت عرف، واستفاض ذكره، فلم تزل تلك حاله ست سنين، حتى إذا كانت السنة السابعة أمر الملك أن تصور صورة الرجل في جام من جاماته التي يشرب فيها، وتجعل صورته بإزاء صورة أنوشروان، ويجعل مخاطبا لأنوشروان، ومشيراً عليه وإليه، ويدني رأسه من رأس الملك في تلك الصورة، كأنه يساره، ثم وهب ذلك الجام لبعض خدمه، وقال: «إن الملوك يرغبون في مثل هذا الجام، فإذا أردت بيعه فادفعه إلى فلان إذا خرج نحو بلاد الروم بتجارته وقل له، يبيعه من الملك نفسه فإنه ينفعك، فإن لم يمكنه بيعه من الملك، باعه من وزيره أو بعض خاصته» .
فجاء غلام الملك بالجام، وقد وضع الرجل رجله في الركاب، فسأله أن يبيع جامه من الملك، وأن يتخذ عنده بذلك يداً. وكان الملك يعز ذلك الغلام، وكان من خاصة غلمانه، وصاحب شرابه، فأجابه إلى ذلك، وأمر بدفع الجام إلى صاحب خزانته، وقال: «احفظه، فإذا صرت إلى باب الملك فليكن مما أعرضه عليه» .
فلما صار إلى باب الملك، دفع صاحب الخزانة إليه الجام، فعرضه على الملك فيما عرض عليه، فلما وقع الجام في يد الملك، نظر إليه،