صاحب الشرطة: أين اختبيء؟ فقالت: لا ملجأ إلا هذا التابوت، وفيه بيتان، فادخل أيهما شئت، فدخل، فأقفلت عليه، فلما دخل القاضي، قالت: مرحباً وأهلاً، وأقبلت عليه بالترحيب والتلطيف. فبينا هي كذلك، إذ قالت الجارية: الناسك بالباب، فقال القاضي: ماذا ترين في ردّه؟ فقالت ما لي إلى رده سبيل. قال: فكيف الحيلة؟ قالت:
إني مدخلتك هذا التابوت، ومخاصمته، فاشهد لي بما تسمع، واحكم بيني وبينه بالحق. قال نعم، فدخل البيت الثالث، فأقفلت عليه.
ودخل الناسك، فقالت له: «مرحباً بالزائر الجاني، كيف بدا لك في زيارتنا» ؟ قال: «شوقاً إلى رؤيتك، وحنيناً إلى قربك» . قالت:
«فالمال، ما تقول فيه: أشهد الله على نفسك برده، اتبع رأيك.. قال:
«اللهم إنني أشهدك الله لجميلة عندي ألف دينار وديعة زوجها» . فلما سمعت ذلك هتفت بجاريتها، وخرجت مبادرة نحو باب الملك، فأنهت ظلامتها إليه، فأرسل الملك إلى الحاجب، وصاحب الشرطة، والقاضي، فلم يقدر على واحد منهم؛ فقعد لها، وسألها البينة، فقالت: «يشهد تابوت عندي فضحك الملك وقال: «يحتمل ذلك لجمالك» . فبعث بالعجلة فوضع التابوت فيها، وحمل إلى بين يدي الملك، فقامت وضربت بيدها التابوت وقالت: «أعطي الله عهداً لتنطقن بالحق، وتشهدن بما سمعت، أو لأضر منك ناراً، فإذا ثلاثة أصوات من جوف التابوت تشهد على إقرار الناسك لجميلة بألف دينار. فكبر ذلك على الملك، فقالت جميلة: «لم أجد في المملكة قوماً أوفى ولا أقوم بالحق من هؤلاء الثلاثة فأشهدتهم على غريمي» ، ثم فتحت التابوت وأخرجت ثلاثة النفر، وسألها الملك عن قصتها فأخبرته، وأخذت حقها من الناسك، فقال الحجاج: «لله درها ما أحسن ما احتالت لاستخراج حقها» .
قال: وكان يعقوب بن يحيى المدائني، ويحيى الكاتب، كاتب سهل بن رستم، يتحدثان إلى مهدية، جارية سليمان بن الساحر، فقال يعقوب يوماً ليحيى: «أنا أشتهي أن أرى بطن مهدية» ، فقال يحيى: «ما تجعل لي إن