فارددي قلب عميدٍ واقبلي ... صلة الضعفين مما ترتجين «1»
فأطرقت جميلة لقوله طويلاً، ثم قالت: ويحك، ألست المعروف بالنسك المنسوب إلى الورع؟ قال: بلى. ولكن نور وجهك سل جسمي، فتداركيني بكلمة تقيمين بها أودي. فهذا مقام اللائذ بك! قالت: أيها المرائي المخادع! أخرج عني مذموماً مدحوراً. فخرج عنها، وقد هام قلبه، وأضحت جميلة تعمل الحيلة في استخراج حقها، فأتت الملك ترفع إليه ظلامتها، فلم تصل إليه، فأتت الحاجب، فشكت إليه، فأعجب بها إعجاباً شديداً، وقالت: إن لوجهك صورة أدفعها عن هذا، ولا يجمل بمثلك الخصومة فهل لك في ضعفي مالك في ستر ورفق؟
فقالت: سوءة لامرأة حرة تميل إلى ريبة. فانصرفت إلى صاحب الشرطة، فأنهت ظلامتها إليه، فأعجب بها وقال: إن حجتك على الناسك لا تقبل إلا بشاهدين عدلين، وأنا مشترٍ خصومتك، إن أنت نزلت عند مسرتي. فانصرفت عنه إلى القاضي، فشكت إليه، فأخذت بقلبه، وكاد القاضي يجن إعجاباً بها، وقال: يا قرة العين! إنه لا يزهد في أمثالك، فهل لك في مواصلتي وغناء الدهر؟ فانصرفت، وباتت تحتال في استخراج حقها، فبعثت الجارية إلى نجار، فعمل لها تابوتاً بثلاثة أبواب، كل منها مفرد؛ ثم بعثت الجارية إلى الحاجب أن يأتيها إذا أصبح، وإلى صاحب الشرطة أن يأتيها ضحوة، وإلى القاضي أن يأتيها إذا تعالى النهار، وإلى الناسك أن يأتيها إذا انتصف النهار.
فأتاها الحاجب، فأقبلت عليه تحدثه، فما فرغت من حديثها حتى قالت لها الجارية: صاحب الشرطة بالباب، فقالت للحاجب: ليس في البيت ملجأ إلا هذا التابوت، فأدخل أي بيت شئت منه. فدخل الحاجب بيتاً من التابوت فأقفلت عليه. ودخل صاحب الشرطة، فأقبلت جميلة عليه تضاحكه وتلاطفه، فما كان بأسرع من أن قالت الجارية: القاضي بالباب؛ فقال