فأجابها قصير سراً:
«بل الرجال جثما قعودا»
فقال: «لما عليها من المتاع الثقيل النفيس» . فأمرت بالأحمال، فأدخلت قصرها، وكان وقت المساء، فقالت: «إذا كان غداً نظرنا إلى ما أتيتنا به» .
فلما جن عليهم الليل، فتحوا الجواليق، وخرجوا، فقتلوا جميع من في القصر. وكان لها سربٌ قد أعدته للفزع والهرب، إن حل بها روع، تخرج إلى الصحراء؛ وقد كان قصير عرف ذلك المكان، ووصفه لعمرو، فبادر عمرو إلى السرب، فاستقبلته الزباء، فولت هاربة نحو السرب، فاستقبلها بالسيف، فمصت فصّها، وكان مسموما، وقالت: «بيدي لا بيدك يا عمرو، ولا بيدي العبد» ، فقال عمرو: «يده ويدي سواء، وفي كليهما شفاء» ، وضربها بسيفه حتى قتلها؛ وأقبل قصير حتى وقف عليها، فجعل يدخل سيفه في فرجها ويقول:
ولو رأوني وسيفي يوم أدخله ... في جوف زباء ماتوا كلهم فرحا
وغنم عمرو وأصحابه من مدينتها أموالاً جليلة، وانصرفوا إلى الحيرة، فكان الملك، بعد خاله جذيمة، وعمرو هذا هو جد النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي.
ومنهن صاحبة الجعد بن الحسين أبي صخر بن الجعد، وكان جعد قد طعن في السن، وكان يكنى أبا الصموت، وكانت له وليدة سوداء، فقالت: «يا أبا الصموت! زعم بنوك أن يقتلوني إذا أنت مت» ، قال: «ولم ذاك» ؟ قالت: «ما لي إليهم ذنب غير حبك، فأعتقني» ، فأعتقها، فبقيت يسيراً، ثم قالت: «يا أبا الصموت! هذا عرابة من أهل عدن يخطبني» ! قال: «ما كان هذا ظني بك» ، قالت: «إنما أريد ما له لك» ، فقال: «ائتيني به» ، فجاءت به، فزوجها منه، فولدت منه، وقربته من مال جعد، وكانت تأتي الجعد، فتخضب رأسه، ثم قطعته، فقال الجعد: