قالت: «من صنع بك هذا» ؟ قال: «أيتها الملكة! هذا فعل عمرو بن عدي، اتهمني وتجنى علي الذنوب، وزعم إني أشرت على خاله بالمصير إليك، حتى فعل بي ما ترين، ولم آمنه أن يقتلني، فخرجت هارباً إليك، وقد أتيتك لأكون معك، وفي خدمتك؛ ولي جداء وعندي غناء» .
قالت: «نعم أقم، فعندي لك ما تحب» ، وولته نفقتها، فخف لها، ورأت منه الرشاقة، فيما أسندته إليه، فأقام عندها حولاً، ثم قال لها:
«أيتها الملكة! إنه لي بالعراق مالاً كثيراً، فإذا أذنت لي في الخروج لحمله، فافعلي» . فدفعت إليه مالاً كثيراً، وأمرته أن يشتري له ثيابا من الخز والوشي ولآليء وياقوتاً ومسكاً وعنبراً وألنجوجاً. فانطلق حتى أتى عمراً فأخبره، فأخذ منه ضعفي مالها، وانصرف نحوها، فاسترخصت ما جاء به، وردته الثانية والثالثة، فكان يأخذ في كل مرة مثل أضعاف مالها، فيشتري لها جميع ما تريد، فتسترخصه.
ووقع قصير بقلبها، فاستخلفته، ثم بعثته في الدفعة الرابعة بمال عظيم، وأمرته أن يشتري أثاثاً ومتاعاً وفرشاً وآنية، فانطلق إلى عمرو، فقال: «قد قضيت ما علي، وبقي ما عليك» ، فقال: «وما الذي تريد» ؟ قال «أخرج معي في ألفي فارس من خدمك، وكونوا في أجواف الجواليق، على كل بعير رجلان» . فانتخب عمرو ألفي فارس من أصحابه، فخرج، وخرجوا معه في الجواليق، كل رجل بسيف، وكان يسير النهار، فإذا أمسى الليل، فتح الجواليق ليخرجوا ويطعموا ويشربوا ويقضوا حوائجهم، حتى إذا كان بينه وبين مدينتها مقدار ميل، تقدم «قصير» حتى دخل عليها، وقال: «أيتها الملكة! اصعدي على القصر لتنظري ما أتيتك به» ، فصعدت فنظرت إلى ثقل الأحمال على الجمال، فقالت:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا
أم صرفاناً بارداً شديدا «1»