فقال له عظيم الطير: «قد أدركت عندنا بغيتك، فأقم عندنا نواسك، ونعرف حق مجاورتك» .
فأقام الثعلب عند ملك الطير؛ فكان يعرفهم الثمار المدركة، ويحفر لهن بمخاليبه قبوراً في الأرض يفرخن فيها؛ وكان الثعلب، إذا جن عليه الليل، وقرم إلى اللحم، أدخل يده في جحر من تلك الأجحرة، فأخرج طيراً أو فراخاً، فأكله ودفن ريشه، وجعلت الطير تتفقد ما كان يأكل واحداً بعد واحد، فقال بعهضا لبعض: «ما فقدنا أفاضلنا إلا منذ صارت هذه الدابة بين أظهرنا، وكانت هذه الطير تطيل الغيبة، وما تدري ما دهاها» . فقال عظيمها: إن هذا حسدٌ منكن لهذه الدابة، فلا تغفلن ما أصبحتن فيه من فضل المطعم، وما فيه فراخكن من هذه الأكفان التي لا يخاف عليها برد فيها ولا حر» ، فقالت الطير: «أنت سيدنا؛ وأبصر بالأمور منا» . قال: «وعلي أن اقطع هذا القول، وأبين حق ذلك من باطله بنفسي» .
فلما أظلم الليل نزل من الشجرة، فدخل بعض تلك الأكفان وأقبل الثعلب على العادة التي أعتادها إلى الكن، فأدخل يده، فقبض على رأس الملك، فقال الملك للثعلب: «لقد نصحتني الطير لو قبلت نصحها» . قال الثعلب: «أنت هو» ؟ قال: «نعم» ، قال: «ما ظننت أن يبلغ حمقك كل هذا» ؟ قال ملك الطير: «دعني أردك في منزلتك بحسب ما رأيت من فضل علمك، ولطيف حيلتك» . قال له الثعلب: «إن أبوي أدباني أن لا أعلق أنيابي بشيء، وأتركه، إذ ليس من جهلك أن لا تتجزأ من الثمار، ومن الأكفان، بما كان آباؤك يكتفون به؛ ولم ترض حتى اختبرت أمري بنفسك، ولم تجعل التغرير في ذلك بغيرك» . ثم أكله، ودفن ريشه، وفقدت الطير عظيمها، فاستوحشت، وضربت وضربت الثعلب ضرباً بمخاليبها ومناقيرها حتى قتلته، ولم يصلن في عظيم خطر ملكهن إلى أكثر من قتل الثعلب» .
فاحترس من هذه الهندية.
قالت الهندية: «إنما تقرعين المرأة بأربعة رجال: بأبيها وأخيها وولدها وبعلها، وأفضل النساء المختارة بعلها على جميع أهلها، والمؤثرة له على