بين يديه؛ فقالت لها الهندية: «ما كان أعظم زهوك في رسالتك» ؟ قالت:
«يا سيدتي، أتأذنين لي في الكلام» ؟ قالت: «تكلمي» ، قالت: «أيتها السيدة، لست متوجهة إليك بشيء هو أملك بك من حلمك، ولا أعطف علي من فضلك؛ ولم يظلم من رفع فوقي من هو أفضل مني، وكل فرع يرجع إلى أصله، وكل زهر ينسب إلى سنخه» فقالت: «صدقت، فدعي عنك كلام الأدب، فقد ملكتك على رغم أنفك، وأنا مزوجتك من فلان خادمي، فليس لك فضل عليه» . قالت ابنة السائس: «من اعتاد معالي الأمور، لم تطب نفسه بأسافلها، ومن صاحب العظماء، أبت غريزته الأدنياء؛ وإنما ترقبت عطفك، ورجوت حسن نظرك؛ فأما إذا عزمت على هذا، فقد طاب الموت، وما الذي استبقي منك» ؟
ثم قالت: «أيها الملك، إن جذل المسرة منك لا يستقر ويقع موقعه إلا بعد المخالفة عندك. فاحترس من هذه الهندية، فإنها لا تؤمن عليك، لأنها ليست من جنسك فيعطفها عليك الرحم، ولا من أهل مملكتك، فتعرف تطولك عليها. وإنما هي شبيهة بموتورةٍ قد قتلت أباها، وهدمت عزها، فاحترس منها، ولا يلهينك موقعها من قلبك، فإنها متى احتالت في قتلك، لم يكن في أيدينا من الظفر إلا قتلها، كما كان من أمر الثعلب وعظيم الطير، فقال الملك: وما كان من حديثهما؟ قالت: يقال إن ثعلباً جاع في ليلة، فرقي شجرة ليأكل منها، فسال الوادي الذي فيه تلك الشجرة بسيل شديد، فاقتلعها والثعلب عليها، ثم رفعها ووضعها، حتى ألقى الثعلب إلى أرض بعيدة من أرضه؛ فأصبح، وقد ألقاه السيل، إلى سفح جبل كثير الأشجار، مثمر الأغصان، وعلى تلك الأشجار جنس من الطير لا يحصى عدداً؛ فأقعى إلى شجرة قصياً، مقشعراً، لا يعرف أرضه، ولا يقدر على مؤالفة الدواب. فمر به عظيم الطير، فقال له: «ما أنت» ؟ فقال: «أنا دابة سال بي السيل، فألقاني في جبلكم، وقد أصبحت غريباً» . فقال له عظيم الطير: «فهل لك حرفة» ؟ قال: «نعم. أعرف الثمار إذا بلغت حد بلوغها، وأصنع للطير أكنافاً في الأرض، تكن فيها فراخها من الحر والبرد» ،