دعت نسوةً شم العرانين بدناً ... نواعم لا شعثاً ولا غبرات
فأدنين لما قمن يحجبن دونها ... حجاباً من القسي والحبرات
أجل الذي فوق السموات عرشه ... أوانس بالبطحاء معتجرات
يخبين أطراف البنان من التقى ... ويخرجن بالأسحار معتمرات
قال عوانة عن محمد بن زياد عن شيخ من كندة: خرج الحارث بن سليل الأسدي زائراً لمعلقة بن حفصة الطائي، فلما قدم عليه، بصر بابنة له يقال لها: «الزباء» ، وكانت من أجمل نساء أهل عصرها، فأعجب بها فقال لأبيها: «أتيتك زائراً، وقد ينكح الخاطب، ويكرم الطالب، ويفلح الراغب» فقال: «أنت امرؤ كريم يقبل منك الصفو، ويؤخذ منك العفو، فأقم ننظر في أمرك» ثم انكفأ إلى أهله فقال: «إن الحارث بن سليل سيد قومه منصباً وحسباً وبيتاً فلا ينصرفن من عندنا إلا بحاجته، فأريدي ابنتك عن نفسها» فخلت بالزباء فقالت: «يا بنية أي الرجال أحب إليك، الكهل الجحجاح، الفاضل المناح، أم الفتى الوضاح» قالت: «الزمور الطماح» قالت: «يا بنية إن الشيخ يميرك، ولا يغيرك، وليس الكهل الفاضل الكثير النائل، كالحديث السن، الكثير الظن» قالت: «يا أماه أخشى الشيخ أن يدنس ثيابي، ويشمت بي أترابي، ويبلي شبابي» .
قال: فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث بن سليل على خمسين ومائة من الإبل وألف درهم وابتنى بها ثم رحل إلى قومه، فبينما هو جالس ذات يوم، وهي إلى جانبه، إذ أقبل فتية من بني أسد نشاوى يتبخترون، فلما نظرت إليهم تنفست الصعداء، وبكت فقال: «ما شأنك» ؟ قالت: «ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ» ؟ قال: ثكلتك أمك؛ تجوع الحرّة، ولا تأكل بتدييها» فذهبت مثلاً.
أما وأبيك، لرب غارةٍ شهدتها، وخيل وزعتها، وسبية أردفتها، وخمرة شربتها. الحقي بأهلك، فأنت طالق. وقال:
تهزأت أن رأتني لابساً كبراً ... وغاية الناس بين الموت والكبر