وهي التي علمت نساء المدينة النقع، وهو النخر والحركة والغربلة والرهر، وكانت لها سقيفة تتحدث إليها رجالات قريش، ولم يكن في الدنيا أهل بيت إلا وتأخذ صبيانهم، وتمصهم ثديها، أو ثدي إحدى بناتها، فكان أهل المدينة يسمونها «حواء» . ولم يكن بالمدينة شريف ممن يجلس في سقيفتها إلا واصل إليها في السنة ثلاثين وسقاً وأكثر من طعام وتمر، مع الدنانير والدراهم، والخدم والكساء.
فجاءها ذات يوم مصعب بن الزبير، وعمرو بن سعيد بن العاص، وابن لعبد الرحمن ابن أبي بكر، فقالوا لها: «يا خالة قد خطبنا نساء من قريش، ولسنا ننتفع إلا بنظرك إليهن، فأرشدينا بفضل علمك فيهن» ، فقالت لمصعب: «يابن أبي عبد الله ومن خطبت» ؟ قال: «عائشة بنت طلحة» ؛ قالت: «فأنت يابن الصديق» ، قال: «أم القاسم بنت زكرياء بن طلحة» ، قالت: «فأنت يابن أبي أحيحة» ، قال: «زينب بنت عمرو بن عثمان» ، فقالت: «يا جارية علي بمنقلي» - تعني خفيها- فأتتها بهما، فخرجت ومعها خادم لها، فأتت عائشة بنت طلحة، فقالت: «مرحباً بك يا خالة» ، فقالت: «يا بني أنا كنا في مأدبة لقريش، فلم تبق امرأة لها جمال إلا ذكرت وذكر جمالك، فلم أدر كيف أصفك، فتجردي لأنظرك» ، فألقت درعها، ثم مشت، فارتج كل شي منها، ثم أقبلت على مثل ذلك، فقالت: «فداك أبي وأمي، خذي ثوبيك» . وأتتهن جميعاً على مثل ذلك، ثم رجعت إلى السقيفة فقالت: «يابن أبي عبد الله، ما رأيت مثل بنت طلحة عائشة قط ممتلئة الترائب، زجاء العينين، هدبة الأشفار، مخطوطة المتنين، ضخمة العجيزة، لفاء الفخذين، مسرولة الساقين، واضحة الثغر، نقية الوجه، فرعاء الشعر، إلا أنني رأيت خلتين هما أعيب ما رأيت فيها: أما احداهما فيروايها الخف وهي عظم القدم، والأخرى يواريها الخمار وهي عظم الأذن، وأما أنت يابن أحيحة فما تستأنس إليه، وهي ملاحة تعتز بها، وأما أنت يابن الصديق، فو الله ما رأيت مثل أم القاسم، ما شبهتها إلّا بخوط بانة بتتثنى، أو خشف يتقلب على رمل، ولم أرها إلا فوق الرجل، وإذا زادت على الرجل المرأة لم تحسن، لا والله، إلا من يملأ المنكبين، فتزوجوهن» .