«يا ابن آدم، لم تفتخر، وإنما خرجت من سبيل بولين نطفة مشجت بأقذار» . وقال بعضهم لرجل: «أتفتخر؟ ويحك وأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بينهما وعاء عذرة، فما هذا الافتخار» ؟ وروي عن ابن عباس، أنه قال: «الناس يتفاضلون في الدنيا بالشرف والبيوتات والإمارات والغنى والجمال والهيئة والمنطق، ويتفاضلون في الآخرة بالتقوى واليقين، وأتقاهم أحسنهم يقيناً، وأزكاهم عملاً، وأرفعهم درجة» . وقيل في ذلك:
يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
وشين الفتى في النّاس قيّلة عقله ... وإن كرمت آباؤه ومناسبه
وقيل لعامر بن قيس: «ما تقول في الإنسان» ؟ قال: وما أقول فيمن إن جاع ضرع وإن شبع بغى وطغى» . وقال بعض الحكماء: «لا يكون الشرف بالنسب. ألا ترى أن أخوين لأب وأم يكون أحدهما أشرف من الآخر، ولو كان ذلك من قبل النسب لما كان لأحد منهم على الآخر فضل، لأن نسبهما واحد، ولكن ذلك من قبل الأفعال، لأن الشرف إنما هو بالفضل لا بالنسب» . قال الشاعر:
أبوك أبي والجد لا شك واحدٌ ... ولكننا عودان آس وخروع
وبلغنا عن المدائني قال: ليس السؤدد بالشرف، وقد ساد الأحنف بن قيس بحلمه، وحصين بن المنذر برأيه، ومالك بن مسمع بمحبته في العامة، وسويد بن منجوف بعطفه على أرامل قومه، وساد المهلب بن أبي صفرة بجميع هذه الخصال. وأما الشرف بالدين فالحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أتاه أعرابي، فقال: «بأبي أنت وأمي، يا رسول الله، من أكرم الناس حسناً» ؟ قال: «أحسنهم خلقاً وأفضلهم تقوى» ، فانصرف الأعرابي، فقال: «ردوه» ، ثم قال: «يا أعرابي، لعلك أردت أكرم الناس نسباً» ، قال: «نعم يا رسول الله» ، قال: «يوسف الصديق، صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله فأين مثل