امرؤ القيس، وضحى من أجل وفائه بابنه (محاسن الوفاء) . كما يبدو في الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذي يجعل اليهود أكرم الناس نسبا. لقد سئل النبي عن أكرم الناس نسبا فأجاب «يوسف الصديق، صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، فأين مثل هؤلاء الآباء في جميع الدنيا ما كان مثلهم ولا يكون مثلهم أحد أبدا» (باب محاسن المفاخرة) .
إن هذه الأقوال والأخبار التي تبين فضائل الفرس والنصارى واليهود تخفي خلفها شعوبية متنكرة. ونحن نعلم أن الجاحظ حمل على الشعوبية التي كانت تبغض العرب وتكيد لهم وتحاول تشويه دينهم وتزوير تاريخهم بالدس والنحل والتوليد. وموقف الجاحظ من النصارى واليهود يختلف عن موقف صاحب المحاسن والأضداد ومن يقرأ رسالة النصارى يتضح له بجلاء أن أبا عثمان لم يكن راضيا عنهم ولا عن الفرس حملة لواء الشعوبية.
وعلى الرغم من هذه الملامح الفارسية والنصرانية واليهودية يبقى الكتاب أثرا من صميم الآداب العربية كالبيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد والعقد الفريد لابن عبد ربه. أنه يحشد كمية لا بأس بها من أجمل ما تفوه به ابيناء العرب في الكتب والمكاتبات والجوابات وحفظ اللسان والمشورة والشكر والصدق والعفو والصداقة والوفاء والكرم والبخل والشجاعة والموعظة والزهد والمرأة والهدايا الخ.. ويترجم لبعض الشعراء ويروي الكثير من أشعارهم ابتداء بامرىء القيس الجاهلي حتى عبد الله بن المعتز 908 م مرورا بالأخطل وكثير وذي الرمة وأبي تمام وأبي نواس الخ.. ويروي الكثير من أخبار خلفاء الدولة الأموية والدولة العباسية وقوادهم، هذا عدا الأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الخلفاء الراشدين الأربعة في مختلف الموضوعات التي عرض لها.