إلا أن البحتري زاد عليه بقوله:

جذلان يبدع في السماح ويغرب

وكذلك ورد قول أبي نواس:

وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد1

وهذا البيت قد لهج به الناس لهجا كثيرا، ومنهم من ظنه مبتدعا لأبي نواس، ويحكى عن أبي تمام أنه دخل على ابن أبي داود2، فقال له: أحسبك عاتبا يا أبا تمام، فقال إنما يعتب على واحد وأنت الناس جميعا، قال: من أين هذه يا أبا تمام? قال: من قول الحاذق أبي نواس، وأنشده البيت، وهذه الحكاية عندي موضوعة؛ لأن أبا تمام كان عارفا بالشعر، حتى إنه قال: لم أنظم شعرا حتى حفظت سبعة عشر ديوانا للنساء خاصة دون الرجال، وما كان يخفى عنه أن هذا المعنى ليس لأبي نواس، وإنما هو مأخوذ من قول جرير:

إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا3

إلا أن أبا نواس زاد زيادة حسنة، وذاك أن جريرا جعل الناس كلهم بني تميم، وأبا نواس جعل العالم كله في واحد، وذلك أبلغ.

ومما ينتظم في هذا السلك قول الفرزدق:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015