معنى، فإن الأمير واجب الحكم فهو يتبع، وإذا كان المضعف أمير الركب كانوا مؤتمرين له في سيرهم ونزولهم، وهذا المعنى لا يوجد في قوله: "سيروا بسير أضعفكم".

وأحسن من هذا كله ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- في حديث مطول يتضمن سؤال جبريل عليه السلام، فقال من جملته: "ما الإحسان? قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

فقوله: "تعبد الله كأنك تراه" من جوامع الكلم؛ لأنه ينوب مناب كلام كثير، كأنه قال: تعبد الله مخلصا في نيتك، واقفا عند أدب الطاعة من الخضوع والخشوع، آخذا أهبة الحذر، وأشباه ذلك؛ لأن العبد إذا خدم مولاه ناظرا إليه استقصى في آداب الخدمة بكل ما يجد إليه السبيل، وما ينتهي إليه الطوق.

ومما أطربني من ذلك حديث الحديبية، وهو أنه جاء بديل بن ورقاء1 إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: "إني تركت كعب بن لؤي بن عامر بن لؤي معهم العوذ2 المطافيل3، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن قريشا قد نهكتهم الحرب، فإن شاءوا ماددناهم مدة، ويدعوا بيني وبين الناس، فإن أظهر عليهم وأحبوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وإلا كانوا قد جموا، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا، حتى تنفرد سالفتي هذه، ولينفذن الله أمره".

وهذا الحديث من جوامع الكلم، وهو من الفصاحة والبلاغة على غاية لا ينتهي إليها وصف الواصف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015