فلما استتم الأبيات قال له: لقد ظلمك من ناواك، وتخلف عنك من جاراك، وحرامٌ على أحدٍ يتفوه بقول الشعر بعدك!
فقال أبو نواس: وأنت أيضًا يا أبا الفضل تقول هذا? ألست القائل:
لا جزى الله دمع عيني خيرًا
وأنشد الأبيات، ثم قال: ومن الذي يحسن أن يقول مثل هذا?
ومن تشبيه المركب بالمركب قول البحتري1:
جدةٌ يذود البخل عن أطرافها ... كالبحر يمنع ملحه عن مائه
وهذا من محاسن التشبيهات.
وكذلك ورد قوله2:
وتراه في ظلم الوغى فتخاله ... قمرًا يكر على الرجال بكوكب
وفي هذا البيت ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء، فإنه شبه العجاج بالظلمة، والممدوح بالقمر، والسنان بالكوكب، وهذا من الحسن النادر.
وكذلك ورد قوله3:
يمشون في زغفٍ كأن متونها ... في كل معركةٍ متون نهاء4
بيضٌ تسيل على الكماة نصولها ... سيل السراب بقفرةٍ بيداء5