وَرُبمَا يَجدونَ التَّرْجَمَة وَمَعَهَا حَدِيث يتَكَلَّف فِي مطابقته لَهَا جدا، ويجدون حَدِيثا فِي غَيرهَا هُوَ بالمطابقة أولى وأجدى. فيحملون الْأَمر على أَنه كَانَ يضع التَّرْجَمَة ويفكر فِي حَدِيث يطابقها، فَلَا يعن لَهُ ذكر الْجَلِيّ فيعدل إِلَى الْخَفي، إِلَى غير ذَلِك من التقادير الَّتِي فرضوها فِي التراجم الَّتِي انتقدوها فاعترضوها.
ويقابل هَذِه الْأَقَاوِيل مَا أثرته عَن جدي - رَحمَه الله - سمعته يَقُول: كِتَابَانِ فقههما فِي تراجمهما: كتاب البُخَارِيّ فِي الحَدِيث، وَكتاب سِيبَوَيْهٍ فِي النَّحْو.
فَلَمَّا قدّر لي أَن أتصفّحها وأتلمّحها، لَاحَ لي عَن قرب وكثب مغزاه فِيهَا، فألفيتها أنواعاً:
مِنْهَا مَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث بنصه أَو ظَاهره وَهَذِه هِيَ الجلية. وَمِنْهَا مَا يتَنَاوَلهُ أَي يصدق عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ وَالْأَصْل نفي الْقُيُود. وَمِنْهَا مَا يكون ثُبُوت الحكم فِيهِ بطرِيق الأولى بِالنِّسْبَةِ إِلَى المنصوصة. وَمِنْهَا مَا يكون حكم التَّرْجَمَة فِيهِ مقيساً على حكم الحَدِيث قِيَاسا مُسَاوِيا. وَقد يعن لَهُ نَص التَّرْجَمَة فيعدل عَنهُ اكْتِفَاء بظهوره، ويعمد إِلَى حَدِيث آخر تتلقى مِنْهُ التَّرْجَمَة بطرِيق خَفِي لطيف فيذكره. وَمِنْهَا مَا لَا ذكر لَهُ فِي الحَدِيث الَّذِي أثْبته، لَكِن يكون الحَدِيث ذَا طرق أثْبته من بَعْضهَا لموافقة شَرط الْكتاب، وَلم يُثبتهُ من الطَّرِيق الْمُوَافقَة للتَّرْجَمَة لخلل شَرطهَا، فَيَأْتِي بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لم توَافق شَرطه فِي التَّرْجَمَة، وَرُبمَا أَتَى بهَا فِي صِيغَة التَّعْلِيل كَحَدِيث وَقع لَهُ فِي " اللّقطَة ". وَقد بيّنه فِي بعض التراجم على مَوَاضِع الْخلاف. وَقد يترجم على صُورَة ويورد فِيهَا الْأَحَادِيث المتعارضة، ثمَّ قد بَينه على الْجمع إِن سنح لَهُ، وَقد يَكْتَفِي بِصُورَة الْمُعَارضَة تَنْبِيها على أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية.