قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْكفَالَة وَالْحوالَة أَن الْكَفِيل والغريم الَّذِي وَقعت الْحِوَالَة عَلَيْهِ ينْتَقل الْحق عَلَيْهِ، كَمَا ينْتَقل هَهُنَا حق الْوَارِث عَنهُ إِلَى الحليف. فَشبه انْتِقَال الْحق على الْمُكَلف بانتقاله عَنهُ وَله. وَفِيه الْقيَاس على أصل قد نسخ، وَهِي قَاعِدَة اخْتِلَاف.
فِيهِ عَائِشَة: لم أَعقل أبويّ إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمرّ علينا يومٌ إِلَّا يأتينا فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طرفِي النَّهَار بكره وَعَشِيَّة. فَلَمَّا ابتلى الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر مُهَاجرا قبل الْحَبَشَة حَتَّى بلغ برك الغماد. ولقيه ابْن الدغنّة وَهُوَ سيّد القارة. فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ أَبُو بكر: أخرجني قومِي فَأَنا أُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض فأعبد رَبِّي. قَالَ ابْن الدّغنّة: إِن مثلك لَا يخرج وَلَا يخرج فَإنَّك تكسب الْمَعْدُوم، وَتصل الرَّحِم، وَتحمل الْكل، وتقرى الضَّيْف، وَتعين على نَوَائِب الْحق. وَأَنا لَك جَار، فَارْجِع فاعبد ربّك ببلادك فَرجع ابْن الدّغنّة مَعَ أبي بكر فَطَافَ فِي أَشْرَاف قُرَيْش، فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدّغنّة وأمّنوا أَبَا بكر. وَقَالُوا لَهُ: مر أَبَا بكر أَن يعبد ربّه فِي دَاره فليصلّ وليقرأ مَا شَاءَ، وَلَا يؤذينا بذلك وَلَا يستعلن بِهِ. فَإنَّا قد خشينا أَن يفتن أبناءنا وَنِسَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِك ابْن الدّغنة لأبي بكر. فَطَفِقَ يعبد ربّه فِي دَاره. وَلَا يستعلن بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَة، ثمَّ بَدَأَ لأبي بكر. فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره وبرز فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ الْقُرْآن، فتتقصف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناءهم يعْجبُونَ وَيَنْظُرُونَ. وَكَانَ أَبُو بكر بكاّء لَا يملك دمعه حِين يقْرَأ الْقُرْآن، فأفزع ذَلِك أَشْرَاف قُرَيْش فَقَالُوا لِابْنِ