فِيهِ عمر: إِنَّه جلس على الْكُرْسِيّ فِي الْكَعْبَة. وَقَالَ: لقد ههمت أَن لَا أدع فِيهَا صفراء وَلَا بَيْضَاء إلاّ قسمته. قلت: إِن صاحبيك لم يفعلا. قَالَ: هما المرءان أقتدي بهما.
قلت: رَضِي الله عَنْك! يحْتَمل أَن يكون مَقْصُوده بالترجمة، التَّنْبِيه على أَن كسْوَة الْكَعْبَة مَشْرُوع ومأثور، فيحتج لذَلِك بِأَنَّهَا لم تزل تقصد بِالْمَالِ يوضع فِيهَا على معنى الزِّينَة وَالْجمال، إعظاماً لحرمتها فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، فالكسوة من هَذَا الْقَبِيل.
وَيحْتَمل أَن يُرِيد التَّنْبِيه على حكم الْكسْوَة، وَهل يجوز التَّصَرُّف فِيمَا عتق من الْكسْوَة بِالْقِسْمَةِ، كَمَا يصنعونه، أم لَا؟ فنبّه على أَنه مَوضِع اجْتِهَاد. وَأَن مقتضي رأى عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن يقسم فِي الْمصَالح. ويعارض رَأْيه ترك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأبي بكر - رَضِي الله عَنهُ - لقسمتها. فَذَلِك فِي مَحل الِاجْتِهَاد وتعارض الْأَمَانَات.
وَالظَّاهِر جَوَاز قسْمَة الْكسْوَة العتيقة، إِذْ بَقَاؤُهَا تَعْرِيض لإتلافها، بِخِلَاف النَّقْدَيْنِ وَلَا جمال فِي كسْوَة مطوية عتيقة. وَيُؤْخَذ من قَول عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن صرف المَال فِي الْمصَالح، كالفقراء وَالْمَسَاكِين، أكد من صرفه فِي كسْوَة الْكَعْبَة، لَكِن الْكسْوَة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة أهم. إِذْ الْأُمُور المتقادمة تتأكد حرمتهَا فِي النُّفُوس، وَقد صَار ترك الْكسْوَة فِي الْعرف غضاً من الْإِسْلَام،