وَحُكْمُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَقَلِّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ بَدَلُ الْمُتْلَفُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، فَكَذَلِكَ الْمُسْتَوْفَى بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِالْمَالِ بِالتَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ فِيهِ وَلِتَمَامِ التَّرَاضِي عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَبَدَلُهُ يَتَقَدَّرُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْمُسَمَّى إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لِفَسَادِ الْعَقْدِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يَعْتَزِلُ عَنْ امْرَأَتِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى سَوَاءٌ دَخَلَ بِالْأُولَى أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ رَحِمَ الْمُعْتَدَّةِ مَشْغُولٌ بِمَائِهِ حُكْمًا، وَلَوْ وَطِئَ الْأُخْرَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ الْأُخْتَيْنِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا، وَلَكِنَّ أَصْلَ نِكَاحِ الْأُولَى بِهَذَا لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَ رَحِمِ الثَّانِيَةِ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ أَصْلِ النِّكَاحِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْهُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ غَيْرِ بَائِنٍ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ مِنْهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ خُلْعٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الْأَمَالِي رُجُوعَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هَذَا الْقَوْلِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَ زَيْدٍ الْآخَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَحُكِيَ أَنَّ مَرْوَانَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَخَالَفَهُمْ زَيْدٌ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ، وَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ قَبْلَ الطُّهْرِ وَذَكَرَ سَلْمَانُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْأُخْتِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النِّكَاحَ مُرْتَفِعٌ بَيْنَهَا بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.