ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ فَطَعَنَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا إنَّهُ تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ»، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] فَهَذَا التَّقْيِيدُ هُنَا لِدَفْعِ طَعْنِ الْمُشْرِكِينَ وَكَمَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ، فَكَذَلِكَ حَلِيلَةُ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفُلَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الِابْنِ يَتَنَاوَلُهُ مَجَازًا، فَإِنْ قِيلَ ابْنُ الِابْنِ لَا يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ فَكَيْف يَصِحُّ تَعْدِيَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَيْهِ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدِ قُلْنَا مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُذْكَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ صُلْبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [غافر: 67] وَالْمَخْلُوقُ مِنْ التُّرَابِ هُوَ الْأَصْلُ وَكَذَلِكَ مَنْكُوحَةُ الْأَبِ حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ دَخَلَ بِهَا الْأَبُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ يَحْرُمُ عَلَى النَّوَافِلِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَبِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ مَجَازًا.

فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] مَعْنَاهُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ الْآيَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِرَاشًا حَتَّى لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّهُ قَالَ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْئًا إلَّا وَحَرَّمَ مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلَهُ إلَّا رَجُلٌ يَجْمَعُهُنَّ يُرِيدُ بِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يُرِيدُ بِآيَةِ التَّحْلِيلِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَبِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَكَانَ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ عِنْدَ التَّعَارُضِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ وَيَتَأَيَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ»، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] حُرْمَةُ الْجَمْعِ فِرَاشًا كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] يَقْتَضِي حُرْمَةَ الِاسْتِفْرَاشِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَالْجَمْعُ فِرَاشًا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولَةِ ابْتِدَاءً، وَلَا بِعَيْنِهَا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَإِنْ نَكَحَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْعَقْدِ لَا يَصِيرُ جَامِعًا وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْعَقْدِ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ حَصَلَ بِشُبْهَةِ صُورَةِ النِّكَاحِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ كَمَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015