لَا تَبْرُزُ إلَى زَوْجِ أُمِّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ. وَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْحِجْرَ هَلْ يَنْتَصِبُ شَرْطًا لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ أَوْ لَا؟ فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: الْحِجْرُ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا كَانَتْ تَحِلُّ لِي أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ»، فَأَمَّا عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَقُولَانِ: الْحِجْرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَتَفْسِيرُ الْحِجْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا زُفَّتْ مَعَ الْأُمِّ إلَى بَيْتِ زَوْجِ الْأُمِّ فَهَذِهِ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ أَبِيهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْحِجْرُ فِي الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ فَإِنَّ بِنْتَ الْمَرْأَةِ تَكُونُ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] شَرَطَ لِلْحِلِّ عَدَمَ الدُّخُولِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِالْأُمِّ لَا تَحِلُّ لَهُ الْبِنْتُ قَطُّ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا أَقْوَى مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَهُنَا أَوْلَى، فَأَمَّا إذَا طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ، وَكَانَ زَيْدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرِّقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ فَيَقُولُ: بِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ حَتَّى يَتَقَرَّرَ بِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الدُّخُولِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ تَعَلَّقَتْ شَرْعًا بِشَرْطِ الدُّخُولِ فَلَوْ أَقَمْنَا الْمَوْتَ مُقَامَهُ كَانَ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ.

وَكَمَا لَا يَجُوزُ نَصْبُ شَرْطٍ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ شَرْطٍ مُقَامَ شَرْطٍ بِالرَّأْيِ، فَأَمَّا حَلِيلَةُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ حَرَامٌ سَوَاءٌ دَخَلَ الِابْنُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ} [النساء: 23] سُمِّيَتْ حَلِيلَةً؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لِلِابْنِ مِنْ الْحِلِّ أَوْ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحُلُولِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحُلُّ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ يَحُلُّ فِي فِرَاشِهَا وَكَمَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ نَسَبًا فَكَذَلِكَ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ وَاسْتَدَلَّ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ هُنَا بِقَوْلِهِ {مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23]، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ.» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] بَيَانُ إبَاحَةِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ التَّبَنِّي فَإِنَّ التَّبَنِّي اُنْتُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، وَكَانَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015