لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ أَبْطَلَا ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا. فَإِذَا زَعَمَا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ صَدَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَضَمِنَا قِيمَتَهَا لِلْمَوْلَى وَلَمْ يَسَعْ الْمَوْلَى وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سَلَامَةِ الضَّمَانِ لِلْمَوْلَى أَنْ لَا تَبْقَى هِيَ عَلَى مِلْكِهِ وَبِدُونِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْحِلِّ بِغَيْرِ سَبَبٍ.

وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَصَبِيَّةً سُبِيَا وَكَبِرَا وَعَتَقَا وَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْأُخْرَى، ثُمَّ جَاءَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا وَلَا يَسَعُ الزَّوْجُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ وَكَيْفَ يَطَؤُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا الْقَاضِي أُخْتَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الشَّاهِدَانِ شَيْئًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنَانِ لَهُ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا يَتَقَوَّمُ عِنْدَنَا فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِشَهَادَتِهِمَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَقَوَّمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا يَتَقَوَّمُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ.

وَلَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا أَمَتُهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا ابْنَتُهُ فَقَضَى بِذَلِكَ الْقَاضِي لَمْ يَسَعْ الْمَوْلَى أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمَا شَهِدَا زُورٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي حَكَمَ بِأَنَّهَا ابْنَتُهُ فَإِنْ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِشَهَادَتِهِمَا وَهُوَ مِلْكُهُ فِي رَقَبَتِهَا وَلَوْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا وَسِعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِيرَاثَهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْأَبُ كَانَتْ فِي سَعَةٍ مِنْ أَكْلِ مِيرَاثِهِ أَمَّا فِي جَانِبِهَا فَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهَا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَحَالَةُ الْعُلُوقِ غَيْبٌ عَنْهَا، وَفِي مِثْلِهِ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ قَضَاءِ الْقَاضِي فَيَسَعُهَا أَنْ تَأْكُلَ مِيرَاثَهُ وَأَمَّا فِي جَانِبِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ وَالنَّسَبَ مِمَّا لَيْسَ لِلْقَاضِي فِيهِ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِابْنَتِهِ حَقِيقَةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسَعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِيرَاثَهَا حَتَّى قِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِيرَاثَهَا بِسَبَبِ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي قَضَى بِالْعِتْقِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فِي قَطْعِ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ. فَكَذَلِكَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فِي الْقَضَاءِ بِالنَّسَبِ إذَا صَادَفَ مَحَلَّهُ فَقَدْ صَادَفَ مَحَلَّهُ وَهُنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ فَلِهَذَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِيرَاثَهَا.

وَلَوْ شَهِدَا عَلَى مَالٍ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي فَقَبَضَهُ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ إذَا أَخَذَهُ الْمَقْضِيُّ لَهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ لَا يُضَمِّنُهُمَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ النُّقْصَانِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ. فَأَمَّا مَا بَقِيَتْ يَدُهُ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْخَسْرَانُ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ وَهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ دَيْنًا حِينَ أَلْزَمَاهُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَوْ ضَمَّنَهُمَا عَيْنًا قَبْلَ الْأَدَاءِ كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُمَا عَيْنًا مُمَاثِلَةَ الدَّيْنِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَفِي الْأَعْيَانِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَقْضِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015