فِي الرُّجُوعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ وَهُوَ الْجَارِيَةُ فَإِنَّ مَالِيَّتَهَا مِثْلَ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِلْجُبْرَانِ وَالنُّقْصَانُ هُنَا مُنْجَبِرٌ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ الْمُشْتَرِي فِي حِلٍّ مِنْ وَطْئِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فِي الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ وَيَبِيعُ مَالَ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ لِمَعْنَى النَّظَرِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ كَإِنْشَاءِ الْبَيْعِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْخَصْمَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ إمْضَاءٌ لِبَيْعٍ كَانَ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَالرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِبَاطِلٍ فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَلْتَعِنَ هُوَ وَامْرَأَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَسَعْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَسِعَهَا ذَلِكَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي هُنَا إنْشَاءُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَيُنَفِّذُ قَضَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرُهُ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَذَفَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَكَرِهَ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَفَرَّقَ لَمْ يَسَعْ الزَّوْجُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَزْنِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَسِعَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ كَاذِبٌ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ لِمَا أَنَّ لِلْقَاضِي إنْشَاءُ التَّفْرِيقِ وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ لِوِلَايَةِ التَّفْرِيقِ لَهُ بِسَبَبِ اللِّعَانِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَالِ حَتَّى إذَا كَانَ الْحَالُ مَعْلُومًا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَالِاشْتِبَاهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ نُفُوذِ قَضَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ فِي اللِّعَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَعْدَ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ سَاقِطٌ عَنْهُ
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَقَرَّتْ هِيَ بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ كَامِلًا يَسَعُهَا أَنْ تَأْخُذَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْرَبْهَا، وَلَكِنْ لَمَّا سَقَطَ عَنْهَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهَا وَأَتَتْ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ التَّسْلِيمِ تَقَرَّرَ حَقُّهَا فِي الْمَهْرِ وَلَزِمَهَا الْعَقْدُ فَلَا يَسَعُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَا يَسَعُ الزَّوْجَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا فِيهِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ فُصُولِ اللِّعَانِ وَالشَّهَادَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهُوَ صَادِقٌ فَجَحَدَتْهُ الْمَرْأَةُ وَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَفَرَّقَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ مِنْ زِنَاهَا مَا لَوْ عَلِمَهُ الْقَاضِي لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّتَهُ هَذِهِ فَأَجَازَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا قِيمَتَهَا لِلْمَوْلَى