لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَيْنِ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ يَضْمَنُ الْعَقَارَ كَالْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إتْلَافَ الْمِلْكِ وَالْيَدُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ إتْلَافَ الْمِلْكِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْعَقَارُ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ.

وَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الرُّجُوعِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَضْمَنُ الرَّاجِعُ شَيْئًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُتْلِفٌ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَمَا أَتْلَفَهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَاسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُتْلِفِ بِالضَّمَانِ كَمَنْ غَصَبَ مَالَ إنْسَانٍ، أَوْ أَتْلَفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ ذَلِكَ الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا ضَمَانَ لِلْمُتْلِفِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُضَمِّنْهُ الْمُسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَمْ يَثْبُتْ نِصْفُ الْمَالِ بِشَهَادَتِهِ، وَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ خَاصَّةً فَيَضْمَنُ الرَّاجِعَانِ ذَلِكَ.

وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ فَعَلَيْهَا رُبُعُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمَا رُبُعُ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ فَعَلَى الرَّاجِعِ رُبُعُ الْمَالِ، وَإِنْ رَجَعَتْ الْمَرْأَتَانِ فَعَلَيْهَا النِّصْفُ، وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَالِ، وَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الرُّبُعُ، وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْمَالِ وَعَلَى الْمَرْأَتَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ مِثْلُ مَا ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ فَقَدْ قَامَتَا فِي الشَّهَادَةِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِ النِّسَاءِ عَدَلَتْ شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ شَهَادَةُ رَجُلٍ.»

فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَضَى الْقَاضِي، ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْمَالِ وَعَلَى النِّسَاءِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسَاءِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ، وَإِنْ كَثُرْنَ فِي الشَّهَادَةِ لَا يَقُمْنَ إلَّا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْمَالِ وَبِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفَ الْمَالِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرَّجُلَ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِلْقِيَامِ بِنِصْفِ الْحُجَّةِ؛ وَلِهَذَا لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ إلَّا بِوُجُودِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ.

وَإِذَا ثَبَتَ نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فَعَلَيْهِنَّ ضَمَانُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ كُلّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015