شَرِيعَةً وَالْخَطَأُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلَ الشَّرِيعَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَا كَانَ يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] الْآيَةَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا كَانَ فِي الْقَاضِي خَمْسُ خِصَالٍ فَقَدْ كَمُلَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَرْبَعٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ فَفِيهِ وَصْمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ثَلَاثٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اثْنَيْنِ فَفِيهِ وَصْمَتَانِ، وَهَذَا عِبَارَةٌ عَنْ النُّقْصَانِ وَالْوَصْمُ كَسْرٌ يَسِيرٌ وَفَوْقَهُ الْقَصْمُ وَنَظِيرُهُ الْقَنْصُ بِالْأَنَامِلِ وَفَوْقَهُ الْقَبْضُ بِالْيَدِ وَفَوْقَهُ الْأَخْذُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ قَالَ فَقَالَ قَائِلٌ مَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عِلْمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ.
قَالَ وَنُزْهَةٌ عَنْ الطَّمَعِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّزَاهَةِ فَمَنْ يُتَحَرَّزُ عَنْ شَيْءٍ يُقَالُ هُوَ يَتَنَزَّهُ عَنْ كَذَا وَالْأَظْهَرُ وَتَزَهُّدٌ عَنْ الطَّمَعِ مِنْ الزَّهَادَةِ فَكُلُّ الْفِتْنَةِ لِلْقَاضِي فِي طَمَعِهِ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَلَمَّا امْتَحَنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاضِيًا قَالَ لَهُ بِمَ صَلَاحُ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ بِالْوَرَعِ قَالَ فَبِمَا فَسَادُهُ قَالَ بِالطَّمَعِ قَالَ حُقَّ لَك أَنْ تَقْضِيَ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنْ الطَّمَعِ لِيَأْمَنَ الْفِتْنَةَ وَيُخْلِصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ وَحَكَمٌ عَنْ الْخَصْمِ يَعْنِي أَنْ يَحْكُمَ فِي بَعْضِ مَا يَسْمَعُ مِنْ الْخُصُومِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ إلَّا اللَّيِّنُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ
قَالَ وَاسْتِخْفَافٌ بِاللَّائِمَةِ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي فِيمَا يَفْصِلُ مِنْ الْقَضَاءِ أَنْ يَخَافَ اللَّائِمَةَ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ إذَا خَافَ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْصَرِفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِنْ مَجْلِسِهِ شَاكِيًا يَلُومُ الْقَاضِيَ مَعَ أَصْدِقَائِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت قَالَ أَصْبَحْت وَشَطْرُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ. فَإِذَا تَفَكَّرَ الْقَاضِي وَاشْتَغَلَ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ اللَّائِمَةِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فَصْلُ الْقَضَاءِ.
قَالَ وَمُشَاوَرَةُ أُولِي الرَّأْيِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ مُشَاوَرَةَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوِرَةً لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَسْتَشِيرُهُمْ حَتَّى فِي قُوتِ أَهْلِهِ وَإِدَامِهِمْ «قَالَ الْمَشُورَةُ تُلَقِّحُ الْعُقُولَ». وَقَالَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَلَكَ قَوْمٌ عَنْ مَشُورَةٍ قَطُّ» وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْتَشِيرُ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَعَ فِقْهِهِ حَتَّى كَانَ إذَا رُفِعَتْ إلَيْهِ حَادِثَةٌ قَالَ اُدْعُوا إلَيَّ عَلِيًّا وَادْعُوا إلَيَّ زَيْدِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَانَ يَسْتَشِيرُهُمْ، ثُمَّ يَفْصِلُ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَدَعَ الْمُشَاوَرَةَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا، وَلَكِنْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْمَشُورَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ رُبَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ