وكأن هذا البيت جواب لمن سأل المتنبي عن أبيه. وقيل: إنه رجل يُعرف بالمسعودي، من أصحاب أبي العشائر؛ لأن أباه كان خاملا غير معروف، وكان المتنبي يُعرف بابن عيدان السقاء. ذكره ابن ماكولا في إكماله بكسر العين من عيدان. وسألت شيخنا الكندي عنه فقال: هو بفتح العين، وذكر إنه كان يغضب إذا سُئل عن أبيه ونسبه لضعفه وقماءته، وذلك لأنه قد كان يتيه بخدمة سيف الدولة، إلى أن صار يجلس إلى جانبه، ويأكل معه في صحفته، ويشرب من قدحه، ويأخذ ما شاء من خزانته، فدخله الإعجاب بنفسه حتى إنه كان إذا مدحه أو مدح بعض أهله وكبراء دولته أودع في ذلك النظم فخرا، واظهر كبرا؛ فمن ذلك قوله في هذه القصيدة: المنسرح
فَخْراً لِعَضْبٍ أرُوحُ مُشْتَمِلَهْ ... وسَمْهَرِيٍّ أرُوحُ مُعْتَقِلَهْ
والبيت الذي بعده. وهذا لا يحسن بذي أدب وافر، وعقل طاهر، ومعرفة بمواضع النظام، ومواقع الكلام، ومخبرة بإتقان المدائح، ومخاطبة أولى المنائح، وبذلك وأمثاله تبغّض إلى سيف الدولة وأهله وأصحابه، وكان السبب في بعده عن بابه ومفارقة جنابه.
وقوله: المنسرح
أأخْفَتِ العَيْنُ عندَهُ خَبراً ... أمْ بَلَغَ الكَيْذُبَانُ ما أمَلَهْ