وأقول: تفسير هذا البيت على ما ذكره، يفسده البيت الذي يليه وهو قوله: الطويل
بعيدةُ ما بَيْنَ الجُفُونِ كأنَّما ... عَقَدْتُمْ أعَالِي كلِّ جفنٍ بحاجِبِ
فكيف تكون الجفون مختومة لا تُفتح على غيرها، وهي بعيد ما بينها، لولا أن هذه غفلة شديدة وفطنة بعيدة؟! ولو استدل على معنى هذا البيت بما قبله لأمن النقض بما بعده، وهو ما ذكره ابن فورجة: لا صباح إلا وجوههن، وإذا كان كذلك فنهاره ليل مدلهم بعدهن ومقتله في غياهب لفقدهن.
وقوله: الطويل
وأحْسِبُ أنِّي لو هَوِيتُ فرِاقَكُمْ ... لفَارَقْتُهُ والدَّهْرُ أخْبَثُ صَاحِبِ
قال: يريد أن الدهر يخالفه في كل ما اراد، حتى لو أحب فراقهم لواصلوه وكان من حقه أن يقول: لفارقني؛ لأن قوله: لفارقته، فعل نفسه، وهو يشكو الدهر فلا يشكو فعل نفسه ولكنه قلبه؛ لأن من فارقك فقد فارقته فهذا من باب القلب.
وأقول: لم يرد بذلك: لو أحب فراقهم لواصلوه. ولا قوله: فارقته، من باب القلب. وإنما معنى قوله:
. . . . . . لو هَوِيتُ فراقَكُمْ ... . . . . . .