والمعنى؛ إن هذا الممدوح يعطي عطاء كثيرا وإن كان يبقى جوده من ماله شيئا
يسيرا؛ لا يكاد ينتفع به بمنزلة إبقاء الهجر من العاشق بخلاف المعهود من عطاء غيره من الأجواد فإنه لا يكاد يعطي الكثير إلا وقد أبقى أكثر مما أعطى؛ كأنه يقول: يؤثر الطالب من ماله بعطاء كثير، يزيد على البحر ويغرقه ولا يبقى له شيء.
وقوله: البسيط
ولا الدِّيَارُ التي كانَ الحَبيبُ بِهَا ... تَشْكُو إليَّ ولا أشْكُو إلى أحَدِ
قال: قال ابن جني: لم يبق في فضل للشكوى، ولا في الديار أيضا فضل لأن الزمان أبلاها.
قال ابن فورجة: ذهب أبو الفتح إلى إن تقدير الكلام: ولا الديار تشكو إلي، وقد عُلم أن الديار لما كانت أشد دثوراً وبلىً كانت أشكى لما تُلاقي من الوحشة بفراق الأحبة، فكيف جعل الديار لا فضل فيها للشكوى، وشكواها ليس بحقيقة وإنما هو مجاز؟ وإنما كان يكون على ما ذُكر لو أن شكواها حقيقة فكانت تُقصّر عنها لضعفها