ولا تدبر، فلا أشبههم بالعميان المتتابعين المتصلين حبلا؛ يعثر الأول منهم بحجر صغير، أو يقع في حفر قصير، فلا يتكلم خبثا ولعنة ويتتابعون كذلك، وذلك انهم علموا بالوقوع ولم يتكلموا، ولكن أشبههم بالذباب الذي يقع في اللبن، أو الفراش الذي يلقي نفسه في النار ولا يعلم!
ومعنى هذا البيت وتقديره إنه سال قبل ذلك أحبته: متى الوصال؟ فقالوا: في غد، فلما حضر قال: اليوم عهدكم بالوصال فأين الموعد؟ أي: في أي مكان. فلا يجوز هاهنا متى كما ذكر، لأنهم قد عينوا له الزمان بقولهم: في غد، فلما حضر سال بأين عن المكان الذي يكون فيه الوصل فلما تبين له خلف موعدهم قال:
. . . . . . ... هيهات! ليسَ ليومِ عَهْدِكُمُ غَدُ
وهذا مثل قول بعضهم: الكامل
في كُلِّ يومٍ قائِلٌ ليَ في غَدٍ ... يَفْنَى الزَّمَانُ ومَا تَرَى عَيْني غَدا
وقوله: الكامل
الموتُ أقْرَبُ مِخْلباً من بَيْنَكُمْ ... والعَيْشُ أبعَدُ منكُمُ لا تَبْعُدُوا
قال: أي أموت قبل فراقكم خوفا منه، فإذا بعدتم كان العيش أبعد منكم لأن بكم الحياة.
وأقول: هذه عبارة قاصرة، وألفاظ عن بيان المعنى ناقصة، وهو ما ذكرته في
شرح ابن جني.