ذكر فيه قول ابن جني. هذا البيت إذا طولب الشاعر بحسن الأدب، وجب أن لا يقابل الممدوح بمثله. وقد أنكر عبد الملك على جرير ما هو دونه، من قوله: الوافر
أتَصْحُو أمْ فُؤادُكَ غيرُ صَاحِي ... . . . . . . . . .
فقال: فؤادك لأجل مخاطبته بالكاف، وإن كان لم يرد إلا نفسه.
وأقول: إن هذا، إذا أنشده الشاعر الممدوح كان فيه، كما ذكر، سوء أدب. وأما إذا أرسله فليس فيه ذلك؛ لأنه إنما قبح لأجل المخاطبة، والإرسال لا مخاطبة فيه. ولعل أبا الطيب أرسل القصيدة إليه، ولم ينشدها إياه. وفي هذا البيت أيضا ما يسأل عنه، وهو ضربه المثل فيه، لما هو كأنه منقطع منه، فلا يكون المثل ورد في موضعه. والصحيح إنه متصل بما قبله، وذلك إنه قال: الطويل
سَقَى اللَّهُ أيَّامَ الصِّبَا. . . ... . . . . . . . . .
لما بانت عنه، وصار في غيرها من أيام الكبر، فضرب مثلا بتغيره بالدهر وعدم تغير الدهر به، فجاء بأغرب مثل وأعجبه، لأن من العهود الأكثر، أن اللابس يبلي الملبوس ويخرقه، فكأنه يقول: الدهر ملبوس يخالف غيره من اللابس؛ لأن هذا يبلي اللابس، وغيره يبليه اللابس.