وقوله: (البسيط)

هو الشّجاع يعدّ البخل من جبن ... هو الجواد يعدّ الجبن من بخل

قال: وصفه بالشّجاعة، وزعم إنه يرى البخل جبنا من قلّة المال، فهو يتركه لأنه شجاع، يرى البخل جبنا، ويعدّ الجبن من بخل، أي إنه إذا جبن، فقد بخل بنفسه على الحمام.

وأقول: أن قوله: جبنا من قلّة المال أي: خوفا لأجل قلّة المال، لأنه يقال: فعلته من أجلك، أي: لأجلك. وفي تفسيره هذا، قصور عبارة عن هذا المعنى الطائل، واللّفظ الهائل، وهو أن الشّجاع إذا اقدم في الحرب، ولم يقدم على إنفاق ماله خوفا من الفقر، فقد بخل، وذلك البخل يعدّ جبنا، لأنه لو كان شجاعا، وقد جاد بنفسه، جاد بماله، فالضّنّ به جبن. وكذلك الجواد إذا جاد بماله ولم يجد بنفسه خوفا من القتل، فقد جبن، وذلك الجبن يعدّ بخلا، لأنه أو كان جوادا، وقد جاد بماله، جاد بنفسه فالضّنّ بها بخل. والمعنى: إنه وصف الممدوح بصفتين كاملتين اجتمعتا فيه، فجعله شجاعا لا يبخل، وجوادا لا يجبن، لأن هاتين الصّفتين قد تفترق، كما يحكى عن ابن الزّبير إنه كان شجاعا بخيلا، وعن جماعة من بني اميّة، وبني العبّاس، انهم كانوا سمحاء جبناء.

وأقول: إنه اتّفق لأبي الطّيب في هذا البيت، من جودة الصّنعة بتركيب الألفاظ وتقليبها، وتهذيب المعنى وتكميله ما لم يتّفق لغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015