قال: هذا كما تقول: أتكرمني هذه الكرامة وأفارقك؟ أي: أن ذلك لا يجب، ولا يحسن، لأنك قد رفعتني حتى جعلت عين الشّمس نعلي، فأمشي فيها مشيا يقطع
الشّراك، أي: لا ينبغي أن افعل ذلك.
وأقول: أن هذا ضربه مثلا، أي: قد أحللتني محلّة رفيعة، فأنا لا اعرف حفظها، ولا احسن التمتّع بها. فجعل الشمس بمنزلة النّعل الحسنة، التي ينبغي للابسها أن يرفق بها، لئلاّ ينقطع شراكها فتسقط من رجله، وفي هذا غضّ من نفسه وتحقير لها، أي: لست من أهل هذه المنزلة، ولا ممّن يعرف قدر هذه النعمة فيحافظ عليها، وهذا من جليل الأمثال ودقيق المعاني.
وقوله: (الوافر)
ولولا أن أكثر ما تمنّى ... معاودة لقلت: ولا مناكا
قال: إنما يريد مناه التي تخطر بقلبه، لا الأماني التي تبلغ، لأنه يجّل عليه أن يتمنّى شيئا لم يكن بعد، لأن الأماني ربّما تعلّل بها أخو الهمّ. ومن ذلك قول القائل: (البسيط)
إذا تمنّيت بتّ الليل مغتبطا ... أن المنى رأس أموال المفاليس
(وأقول:) انظر إلى هذا التفسير، وتفريقه بين المنى والأماني، وهذا كلام من لم يشمّ رائحة المعنى الذي أراده أبو الطّيب.