وهو المقابل التقليدي للقسم السابق الذكر، وكان من بين الدهاقين الذين يعيبون هذا الجديد كبار رجال هذا القسم، ولقد أشفقت أول الأمر على ما يدور في رأسي من أفكار المنهج الوصفي أن تهب عليها رياح اللوائح والسلطة الرسمية ومطالب تنشئة الطلاب في النحو العربي التقليدي تنشئة تؤهلهم بعد قليل لأن يعلِّموا هذا النحو في مدارس الدولة على الطريقة التي ألفتها هذه المدارس منذ نشأت في ظل التقاليد. من هنا آثرت أن أبتعد بأفكار المنهج الوصفي عن طلبة السنوات الأربع التي تنتهي بالدرجة الجامعية الأولى، ولكنني أكدت وجود هذه الأفكار وأصررت عليها بالنسبة لطلبة الدراسات العليا, فلم أقبل الإشراف على طالب من هؤلاء يسعى مثلًا إلى كتابة ترجمة لنحوي, أو تحقيق كتاب أو بحث لا يتناول فكرة منهجية نقدية ترمي إلى تطعيم أفكار النحاة القدماء بأفكار المنهج الوصفي الحديث. وهكذا وردت أفكار هذا البحث مع كل رسالة علمية أشرفت عليها, وكان من بينها العناوين الآتية:
ابن مضاء ومنهج النحاة القدماء في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة "ماجستير".
اسم الفاعل بين الاسمية والفعلية "ماجستير".
الصواب والخطأ عند النحاة الأقدمين في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة "دكتوراه".
وسائل أمن اللبس في النحو العربي "دكتوراه".
الزمن في النحو العربي "ماجستير".
الوحدات الصرفية ودورها في تكوين الكلمة العربية "ماجستير".
تقسيم الكلام العربي "دكتوراه".
وفي سنتي 1965 و1966 تقدَّمت على الترتيب ببحثين إلى الندوة التي يقيمها الأساتذة في دار العلوم يناقشون بها بحوثًا يتقدَّم بها أفراد منهم, وكان موضوع البحث الأول: "نقد منهج النحاة العرب", وموضوع البحث الثاني: "أمن اللبس ووسائل الوصول إليه في اللغة العربية", فكان في هذين البحثين عود إلى موضوع هذا الكتاب في ذلك الوقت، ثم دعاني الصديق الكريم الأستاذ محمد خلف الله أحمد عميد معهد الدراسات العربية, التابع لجامعة الدول العربية إلى تدريس موضوع خاص لطلبة هذا المعهد, فاخترت لذلك "مشكلة المعنى", وعدت بذلك إلى موضوع هذا الكتاب, ثم جرت إعارتي في 1967 إلى قسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم, فقمت بتدريس بعض ما يشتمل عليه هذا البحث من موضوعات لطلبة الدراسات العليا بالقسم.