العمل لولاه لأدَّى التعب إلى التباطؤ في العمل، ولولا ما يسببه هذا الغناء من صيغ العمل بصبغة التسلية لكان الإحساس بمشقة العمل أكبر. ومن قبيل ذلك الهتافات في المظاهرات السياسية؛ لأن هذا الهتاف لا يقصد به إيصال معلومات كانت من قبل مجهولة, وإنما يقصد به توليد الحماس لقضية ما, وكل هذه الأدوار التي يؤديها الفرد بالنسبة للموقف المعيّن لو نظرنا إلى ما يحدث فيها من "مقال" لكانت هذه الأدوار هي غايات الأداء. فالفرق بين "دور الفرد في الأداء" و"غاية الأداء" هو فرق في النظرة إلى صلة الأداء نفسه إمَّا بالموقف أو بالمقال.
3- غايات الأداء:
وأكبر غايات الأداء اللغوي على الإطلاق غايتان:
أ- التعامل ب- الإفصاح
1- فأما التعامل فهو استخدام اللغة بقصد التأثير في البيئة الطبيعية أو الاجتماعية المحيطة بالفرد, فيدخل في ذلك البيع والشراء والمخاصمة والتعليم والبحث العلمي والمناقشات الموصلة إلى قرارات والتأليف والخطابة والمقالة السياسية والتعليق الإذاعي ونشرة الأخبار وهلمَّ جرا. وأما الإفصاح فهو استعمال اللغة بقصد التعبير عن موقف نفسي ذاتي دون إرادة التأثير في البيئة, ولا يتحتَّم في هذه الحالة أن يكون الإسماع مقصودًا, ومن ذلك اللغو والغناء مع عدم قصد الإسماع والتعجب والمدح والذم, والإنتاج الأدبي بصوره المختلفة وإنشاء الشعر الغنائي بصفة خاصة. وكما اعتدت اللغة باختلاف دور الفرد بالأداء فجعلت من معانيها العامة التكلم والخطاب إلخ, اعتدت كذلك بغايات الأداء فقسَّمت معاني الجملة العربية إلى خبر وإنشاء, وقسَّمت الخبر إلى إثبات ونفي وتوكيد, وقسمت الإنشاء إلى طلب وشرط وإفصاح, وقسمت الطلب والشرط والإفصاح كلًّا إلى أقسام مختلفة, ولكن إذا كانت اللغة قد فعلت ذلك فإن اللغويين لم يفطنوا إلى تقسيمات اللغة فيما يختص بالمقابلة