بين التعامل والإفصاح, ومن ثَمَّ جعلوا الجملة الإفصاحية من قبيل الخبر أحيانًا والإنشاء أحيانًا أخرى, مع وضوح الفرق بين طابع التعامل الذي يسود الخبرية ومعظم الإنشائية, وطابع التعبير الذاتي الذي نلحظه في الجملة الإفصاحية, وقد سبق أن أشرنا إلى الخطأ الذي كان من النحاة حين فسروا "أوه" بكلمة بكلمة "أتوجع", وربما وقف "الدعاء" بين التعامل والإفصاح بحيث لا يكون من قبيل أحدهما إلّا بعد النظر في غاية الأداء, فإذا كانت غايته استنزال غضب الله أو رحمته فهو تعامل, وإذا كانت غايته التعبير عن الرضى أو السخط فهو إفصاح. والاستسقاء دعاء من قبيل التعامل, ولكن قول السائل لمن أعطاه صدقه "الله يخلف عليك" إفصاح؛ لأن الغاية منه التعبير عن الرضى, ومثله ما نراه من دعاء في الرسائل الإخوانية نحو: "بلغني -أطال الله بقاءك".
ومن غايات الأداء الاتفاق والتشجيع والمصادقة والتثبيط والشتم والتمني والترجي واللعن والفخر والتحدي والتحضيض والاستخفاف والتحقير والتعظيم والإغاظة والإيلام والمعاداة والمدارة والتملق والنفاق والتحبب والغزل واللوم والدعابة والإغراء والاستقبال والتوديع والإلزام والترحم والتحية والتعجب والتهنئة والنصيحة, وغير ذلك من المعاني التعاملية والإفصاحية, ولكل غاية من هذه الغايات عباراتها المعيارية التي تقال فيها, وذلك مصداق قول البلغاء: "لكل مقام مقال" و"لكل كلمة مع صاحبتها مقام".
ومع مراعاة التفاعل بين دور الفرد في الأداء وغاية الأداء في إطار دور الفرد في المجتمع, يمكننا أن نصل إلى فهم "المقام" الذي يقال فيه "المقال", فنصل بواسطة ذلك إلى المعنى الدلالي الأكبر الذي هو نتيجة تضافر العناصر الثلاثة المكونة له "المعنى الوظيفي والمعنى المعجمي والمقام", وهذه العبارات المعيارية العرفية التي تؤدي كل منها إلى غاية محددة من غايات الأداء هي في طابعها أنساق من تضام التوارد الذي أشرت إليه في الكلام عن القرائن اللفظية وجعلته قسيمًا لتضامّ التلازم. وفيما يلي بعض هذه العبارات المعيارية1, وقد وصفت كل طائفة منها تحت غاية من غايات الأداء