غير أننا لا ننظر هنا إلى هذه المعاني نظرة الصرفيين وهي وظيفية خالصة, وإنما نجعل هذه الأدوار المختلفة للفرد في الأداء من نسيج المقامات الاجتماعية التي يتمّ بها تحليل النص, ويتضح ذلك من استخدام الضمائر والأسماء الظاهرة في الكلام, وإن من ينظر إلى خطب الزعماء السياسيين والوعاظ والشعارات والهتافات والإعلانات ليستطيع أن يجد الضوء القوي الذي يمكن له أن يسلطه على هذا الموضوع؛ فالزعماء في خطبهم يفضِّلون العدول عن ضميري التكلم إلى كلمة "الشعب" فيقولون: "إن الشعب يريد ... " في مكان "نحن نريد" أو "أنا أريد", لما في استعمال "أنا" من إيحاء بالفردية والتسلط, ولما في "نحن" من احتمال تعظيم النفس, والمعلوم أن مقامي التسلط وتعظيم النفس ليسا مما يقرب الزعماء من قلوب الجماهير. ويفضل الواعظ غالبًا أن يعدل عن استعمال ضمير المخاطبين إلى ضمير المتكلمين, فهو يتحاشى أن يقول: "ينبغي أن تعودوا إلى حظيرة الدين" ويقول في مكان ذلك: "ينبغي لنا أن نعود إلى حظيرة الدين"، ويتحاشى أن يقول: "غفر الله لكم" ويقول: "اللهم اغفر لنا", بل إن المقام قد يقتضي أحيانًا أن يعدل المتكلم عن ضمائر الخطاب لما فيها من المواجهة المحرجة أحيانًا إلى فسحة غموض دلالة الغيبة التي نلحظها في استعمال الموصول مبتدأ أو شرطًا, وما أجمل عبارة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال:$"من أكل لحم جزور فليتوضأ" بدلًا من أن يتجه إلى شخص بعينه فيقول: "قم فتوضأ ما دام وضوؤك قد انتقض لما أعلمه من ذلك بالقرائن" أو بدلًا من عبارة أخرى هي "من أحدث فليتوضأ"؛ لأن الذي يقوم للوضوء حينئذ سيكون معترفًا بأنه أحدث وهذا مسبب للخجل.
على أن الأمر لا يقتصر على تقليب العبارة بين التكلم والخطاب والغيبة, أو الأفراد والتثنية والجمع, وإنما يتعدى ذلك إلى ما يقوم به الفرد من المشاركة بدور معين في موقف معين. فمن الأدوار التي يؤديها الفرد بالكلام الإعانة على إنجاز عمل ما كالصياح والتشجيع في المباريات الرياضية بغية الإعانة على الانتصار والفوز في المباراة, وكالذي يقوم به العمال من غناء جماعي أثناء أداة العمل لا يقصدون به التطريب ولكنهم يقصدون إيجاد إيقاع معين لحركة